رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
عائلة مؤلفة من أب – أم – إبنة في الثامنة عشرة ربيعا – إبن في السادسة عشرة ربيعا
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
الحلقة الاولى
بداية الخلق
آدم عليه السلام
آدم عليه السلام
الأب: دعونا في هذا الشهر المبارك، نتناقش على مائدة الافطار، في أمور الدين والقرآن، ونذكر ما وصلنا من قصص قصّها علينا رب العالمين في كتابه المبين.
الإبنة: ليتكم تسردوا لنا قصص الانبياء بالتسلسل، فنحن لسنا على اطّلاع تام بجميع الانبياء والرسل الذين أتى على ذكرهم القرآن الكريم.
الإبن: ماذا عن كيفية بدء الدنيا، وماذا كان هناك قبل ان يخلق الله هذا العالم، وقبل ان يخلق آدم وحواء، وقصة الخلق.. هل تعرفها يا أبي؟
الأب: حسنا لنبدأ اذن من بداية الخلق .. والذي أعرفه أنا مستمّد مما علّمنا الله في كتبه القدسية، وخاصة في القرآن الكريم، ومما جاء على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء على لسان الصحابة، ورجال العلم، وماا توارده الناس من أحاديث تاريخية ودينية، والله وحده يعلم ما هو الصحيح منها. لقد قال الله في كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم – (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدّنا ذكرا).
الأم: يعني ان الله يقول لرسوله انه في هذا القرآن يحكي قصص من سبق من الخلق. وقد قال الامام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم.
وقيل أن سيدنا عمر بن الخطاب قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم.
الإبنة: وكيف بدأ الله الخلق؟
الأم: في خطبة للإمام علي وصف بها كيف خلق الله الكون فيها ملخّص جميل عمّا جاء قي القرآن الكريم في شأن بداية الخلق قال فيها:
أنشأ الخلق انشاء وابتدأه ابتداء بلا رويّة أجالها (أي بدون سابق خطّة وضعها لهذا الشأن)، ولا تجربة استفادها (أي لم يكن هناك تجربة سابقة بمعنى خلقا من قبل)، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها(بمعنى دون أيي عناء)، أحال الاشياء الى أوقاتها( حوّلها من العدم الى الوجود في الوقت المعيّن)، ولأم بين مختلفاتها(بمعنى خلطط الارواح بالاجساد) وغرّز غرائزها (أنشأ أطباعها وطبائعها)، الزمها أشباحها(جعل لكل مخلوق طبيعة مختلفة)، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها وأحنائها(جوانبها).
الأب: ونتابع مع الامام علي: ثم أنشأ سبحانه فتق الاجواء وشقّ الارجاء وسكائك الهواء (بمعنى فتح الفضاء وبانت نواحيه وسلك فيه الهواء)
الأبن: هل هذا هو الانفجار الكوني؟
الأم: يجوز أن الامام علي كان يشير الى شيء من هذا القبيل فلقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
الآب: فأجرى فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره(تتعالى امواجه فيصبح شاهق العلو)، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها بردّه(امساك الماء كي لا يسقط)، وسلّطها على شدّه، وقرنها الى حدّه.
الأم: ثم يتابع الامام علي الوصف فيقول: الهواء من تحتها فتيق(مثقوب) والماء من فوقها دفيق. ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبّها(جعلها عقيمة لا تصلح الا للهبوب وتحريك الماء)، وأدام مربّها(بمعنى لا تنقص قوتها)، وأعصف مجراها وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار(تحريك وتقليب الماء الفوّار)، واثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء(خفقته حتى طلع الزبد منه)، وعصفت به عصفها بالفضاء. تردّ أوّله الى آخره وساجيه الى مائره( الساكن والمتحرك)، حتى عبّ عبابه ورمى بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق(ما زال يحكي عن ثقب الفضاء)، وجو منفهق (كون واسع)، فسوّى منهنّ سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا(ممنوعا من الذوبان والسيلان)، وعلياهن سقفا محفوظا(يحفظها من التهاوي والوقوع)، وسمكا مرفوعا(طبقة سميكة معلّقة في الفضاء)، بغير عمد يدعمها(بدون دعائم) ولا دسار ينظمها(ولا مسامير تثبّتها)، ثم زينها بزينة الكواكب وضياء الثواقب(النجوم المنيرة)، وأجرى فيها سراجا مستطرا(الشمس) وقمرا منيرا، في فلك دائر(يدور أي غير ثابت) وسقف سائر(متحرك) ورقيم مائر(كون لا يكف عن الدوران وهو مرقوم بالكواكب)
الإبنة: الله أكبر هذا علم لم يكن اكتشف بعد على أيام الامام علي!
الأب: صحيح ولكن لا ننسى انه مستمّد من آيات القرآن الكريم، وإن كانت بصيرة الامام علي سبقت علماء عصرنا الى فهم تلك الآيات واستيعاب العلوم التي أشارت اليها. يقول الله في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم "خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير".
الأم: سبحان الله، لقد شرح الله في هذه الآية وحدها كيفية بدء الخلق. الله أكبر على هذه البلاغة.
الإبنة: وكيف تفسّر الآية يا والدي كي نفهمها نحن؟
الأب: حاضر. ولكنّي أريد ان أذكر في هذا المجال أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والارض؟ قال كان فوقه هواء وتحته هواء ثم خلق عرشه على الماء". ثم أن العلماء اجتهدوا بعد ذلك فقالوا: ثم خلق القلم فكتب به المقادير، ثم الكرسي الذي وسع السموات والارض، ثم خلق النور والظلمة، ثم الماء فوضع عرشه على الماء. والله أعلم.
الإبن: وهل هذا يعني أنه لم يكن هناك شيئا أبدا قبل أن بدأ الله الخلق... فقط هواء؟
الأم: لقد حدّد لنا القرآن الكريم كيفية بدء الخلق في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم- (قل أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وزينّا السماء الدنيا بمصابيح، وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم.) صدق الله العظيم .
الاب: ومنهم من قال أن الله بدء خلقه يوم السبت وأكمل الخلق في ستة أيام، ثم استوى على العرش. ومنهم من قال أن الايام الستة قد سمّاها الله: أبجد هوز حطّي كلمن سعفص قرشت. والله أعلم
الإبن: ما معنى رواسي من فوقها؟
الأب: يعني الجبال التي تغطّي الكرة الارضية.
الإبنة: وما معنى قدّر فيها أقواتها:
الأم: يعني والله أعلم ان الله قد خلق في الارض الزرع والحيوان وقسّم ذلك بقدر معيّن وفق مساحات الارض وحسب المناخ والتضاريس. وياتي بعد ذلك "سواء للسائلين" ويجوز انها تعني أن المنتفع من هذا كله الانسان على السواء بغض النظر أين وجد هذا الانسان.
الإبن: وكيف كانت السماء دخان؟
الأب: يجب ملاحظة أن الله خلق الارض قبل السماء، ومن الارض صعد بخار المياه الى السماء التي لم يكن فيها أية منشئات كونية. لذلك فقد حدد الله بعد ذلك هذه المنشئات الكونية فقال "فقضاهن سبع سموات" ثم قال " وأوحى في كل سماء أمرها" بمعنى أنه جعلها في حالة او تركيبة معينة ومختلفة عن السماء التي تليها.
الأم: لذلك يقول تعالى "وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا، ذلك تقدير العزيز العليم". والسماء الدنيا هي أقرب سماء الى الارض والتي يوجد فيها المجرّة الشمسية وفيها ما نعرفه من شمس وقمر وكواكب أخرى نستطيع مشاهدتها بالعين المجردة من موقعنا في الارض. ويعلمنا الله بأن هذه النجوم والكواكب لها أيضا وظائف أخرى غير انارة السماء ومنها وظيفة حفظ الكرة الارضية وضمان حركتها كما قدّرها الله في هذه المجرّة الكونية.
الإبن: وكيف خلق الارض ومن ماذا... وهل يعني الكون أو فقط الكرة الارضية؟
الأب: يقول الله تعالى في كتابه الكريم (وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم يهتدون. أفمن خلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون. وإن تعدّوا نعمة اللهه لا تحصوها إن الله لغفور رحيم).- صدق الله العظيم. فمن هذه الآيات الكريمة يمكننا أن نستدل أن الارض التيي يتحدّث عنها في القرآن الكريم هي الكرة الارضية التي يعيش الانسان عليها، والتي هي من ضمن النظام الكوني.
الابنة: ولكنه أيضا يذكر الكون لأنه يتكلم عن السماوات السبع والمجرّات.
الأم: بالطبع فآيات الله عن الكون كثيرة في القرآن الكريم، غير أنه خص الحديث عن الارض وطبيعتها بشكل لافت، ربما لأن القرآن نزل في الاساس على أهل الارض. روي عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم انه قال " فجّرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان أما النيل فهو أشهرهم و أطولهم، ويمر على عدة بلدان من مصر الى معظم أفريقيا، فيسقي الارض الجدباء، فينبت فيها الزرع، ويجوز أن الله قصده في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم - أولم يروا انّا نسوق الماء الى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون - . صدق الله العظيم.
الابنة: سبحان الله، وكيف بعد هذا يكفر الانسان بنعمة ربه ويتجبر؟
الاب: بالطبع لا يجوز، والله يعلم أن الانسان سيكون جاحدا وجبارا، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: (أانتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والارض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولانعامكم). صدق الله العظيم. أي أن خلق الانسان مع ما هنالك من عظمة ودقة وروح لا يساوي أمام عظمة خلق السماء والارض.
الابن: في هذه الآية نلاحظ أنه يتكلم عن السماء بمعنى الكون فأخرج من سمك السماء الليل والنهار ثم بعد ذلك خلق الارض وأخرج منها الماء والمرعى.
الأب: أظن انك فهمت الآية بشكل خاطيء جزئيا. فنحن نعلم من الآية التي استهلينا بها النقاش ان الارض خلقت ثم استوى الله الى السماء فسواهن سبع سماوات. هنا يقول انه دحى الارض بعد أن نظّم في السماء الليل والنهار، فجعل الليل ظلاما والنهار ضوءا. ودحاها يعني جعلها دائرية على شكل بيضة. وبعد ذلك أخرج منها ماءها وزرعها وقد علمنا أنه تعالى قدّر ذلك قبل ان يظهرهما على وجه الارض. ونستدل من هذه الآية أنّ كروية الارض تجعلها محورا للنهار والليل. لذلك فهي عند دورانها حول نفسها وحول الشمس تجعل الليل والنهار يتواليان بانتظام على كل بقاع الارض وبالتالي يصبح لدينا حساب الوقت والزمن.
الابن: الله أكبر. أرجوك أن تكمل يا والدي.
الاب: ثم جاء دور الشمس والقمر والليل والنهار في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم- (والشمس تجري لمستقرلها. - لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون – والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين)- صدق الله العظيم. هذه الآية توضح أيضا حقيقة علمية وهي أن الشمس مستقّرة ولا تدور مثل الارض والقمر وبقية الكواكب، فهي وجدت مستقرا أي ثابتة في مكانها لها لا تتحرك، وأما باقي الكواكب فهي تدور في فلكها. وهذا حديث شامل عن الكون ومجرّتنا الشمسية.
الام: وقال تعالى أيضا: بسم الله الرحمن الرحيم: - (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلمواعدد السنين) صدق الله العظيم تماما كما شرح والدكما من قبل.
الابنة: أي أنه بذلك صار هناك حساب التاريخ
الام: بالظبط- ثم خلق الله البرق والرعد والسحاب والمطر وصرّف الرياح، فيكون قد خلق كل شي بعد أن قدّره تقديرا.
الاب: صحيح. ومن هنا يتحدى الله البشر أن ينظروا ويتفكّروا في كل ما خلق - بسم الله الرحمن الرحيم: (فأرجع البصر هل ترى من فطور) أي هل ترى من شائبة أو خطأ أو عدم نظام، (ثم أرجع البصر كرّتين، ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير). صدق الله العظيم
الاب: ومن هم الملائكة وكيف خلقهم الله؟
الام: الملائكة خلقهم والله أعلم بعد أن خلق العرش، وجنّد منهم من يحمل العرش، ومنهم من يحمي السماء ومنهم من يكون على الارض، فوضع لكل ملاك وظيفة معينة.. وهو وحده يعلم عددهم، وهم كما وصفهم الله رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع..
الاب: ومنهم من أوكل في ابلاغ النبوة الى الانبياء، ومنهم من أرسل في مهمات عسكرية، ومنهم الحفظة الكاتبين، الذين يكتبون أعمال كل البشر، ومنهم حراس الجنة، ومنهم زبانية النار.. وكلّهم يسبح بالله ويجيئون مع الله صفا صفا يوم القيامة لا يتكلمون الا من أذن له الله بالكلام، فإذا تكلموا لا يتكلمون الا الصواب ولا يشهدون الا بالحق.
الأم: ولقد وصفهم الامام علي بن أبي طالب فقال : ثم فتق ما بين السماوات فملأهنّ أطوارا من ملائكته منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون (لا يقفون) وصافّون لا يتزايلون (مصطفّون لا يحيدون عن الصف) ومسبّحون لاا يسأمون. لا يغشاهم نوم العين ولا سهو العقول (لا ينسون) ولا فترة الابدان (لا تضعف أجسامهم) ولا غفلة النسيان (لا يخرفون). ومنهم أمناء على وحيه وألسنة الى رسله (ينطقون وحي الله بأمانة ليبلّغوا الرسل) ومختلفون بقضائه وأمره (لكل منهم وظيفته وعمله) ومنهم الحفظة لعباده (يسجلّون اعمال البشر) والسدنة لابواب جنانه (حراس أبواب الجنة). ومنهم الثابتة في الارضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم. والخارجة من الاقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم (وهذه أوصاف تدل على عظم أجسامهم وقوتهم فأرجلهم ثابتة في الارض ورؤوسهم عالية عن السماء واطرافهم خارجة عن أقطار الساوات والارض ويحملون العرش على أكتافهم). ناكسة دونه أبصارهم متلفّعون تحته بأجنحتهم مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة، وأستار القدرة، لا يتوّهمون ربهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ولا يحدّونه بالاماكن ولا يشيرون اليه بالنظائر.
الإبن: يا له من وصف دقيق وجميل – ماذا يعني فتق ما بين السماوات؟
الأم: أمّا فتق ما بين السماوات والارض يعني قسّم السماوات الى أقسام. وجعل في كل قسم انواعا مختلفة من الملائكة.
الابنة: وهل هناك ملائكة مفضّلين عند الله؟
الام: يقال والله أعلم ان سيّدنا جبريل هو من الملائكة المفضّلين عند الله، بدليل انه أرسل الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه رسالة ربه. وهو المعني في قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم: علّمه شديد القوى. صدق الله العظيم. أي جبريل.
الابن: وكيف يكون شديد القوى ؟
الاب: يقال أنه هو الذي رفع المدائن على قوم لوط، وكنّ سبع مدن يربون على ال 400الف نسمة ما عدا الدواب والاشجار وكل البنيان، رفعهم كلهم وانطلق بهم الى السماء حتى سمعت الملائكة صياح ديكهم ونباح كلابهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها.
الام: وهو الذي رفع جبل الطور على بني اسرائيل عندما غضب عليهم سيدنا موسى بعد أن كفروا من بعد أن أنقذهم من فرعون وجنوده. وهو لا شك له منزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى.
الاب: أما اسرافيل فهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور ثلاث نفخات يوم القيامة.
الام: ويروى أنه نزل مرة واحدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جبريل معه، فقال له : يا محمد ان الله يأمرك أن تختار بين أن تكون نبي عبد أو ملك نبي، فأشار اليه جبريل أن تواضع في اختيارك، فقال النبي: بل نبي عبد. فسأل الرسول جبريل عن هذا الملك، فقال أنه اسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه كالجندي، لا يرفع نظره، بين يديه لوح، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو الارض ارتفع ذلك اللوح، فينظر فيه، فإن كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به.
الاب: ومن الملائكة المذكورين في القرآن ايضا، هاروت وماروت، أما منكر ونكير فورد ذكرهما في الاحاديث وهما موكلين بسؤال الناس في قبورهم. وقد ورد ايضا في القرآن ان خازن الجنة ملاكا يدعى رضوان، وخازنن النار ملاكا يدعى مالك.
الام: وكما خلق الله آدم من طين، خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وكان ابليس من الجان، وهو موكل بأمر الدنيا، ويقال أن قبائل من الجن عاثوا في الارض فسادا وسفكوا الدماء، فأمر الله ابليس ان يتوجه اليهم بجنده وعززه بجند من الملائكة، فقتلوهم وأجلوا من بقي منهم عن الارض الى جزائر البحور. فتعززت مكانته وساس ما بين الارض والسماء.
الاب: ولكن عندما خلق الله آدم، تمرّد هذا اللعين على مشيئة ربه، كأنه حصل لديه نوع من الغيرة من خلق آدم، وكأنه كان قد عرف مكانة آدم وذريته عند ربه، فأمر ان يمتثل لأمر الله وأن يسجد لآدم، وقال لربه، انا أحسن منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فغضب عليه الله وطرده من الجنة، وأحلّ اللعنة عليه.
الام: ولكن هذا اللعين لم يستسلم، وطلب من الله ان يسّلطه على آدم وذريته، ليبرهن ان آدم وذريته، لا يصلحون لهذا المقام الذي شرّفهم به الله. وأخذ عهدا على نفسه أمام الله، انه سيعمل كل ما بوسعه بأن يغوي بني آدم ما دامت ارواحهم في أجسادهم.
الاب: ولكن الله أخذ عهدا بالمقابل على نفسه، أنه لا يزال يغفر لبني آدم طالما استغفروه. ودليل ذلك قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم – (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) صدق الله العظيم
.
الام: وهنا يحضرني ما روي ان ابليس اللعين طلب من الله ان يسلّطه على آدم وذريته، فسلّطه. قال لا يكفي، أريد ان آتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم ومن يمينهم ومن شمالهم ومن فوقهم ومن تحتهم، فمكنّه. قال لا يكفي، اريد ان أجري فيهم مجرى الدم في العروق، فمكّنه.. فقال آدم عندئذ، وما تركت لي يا رب.. قال قد تركت لك رحمتي وغفراني فاذكر دائما بأنني غفور رحيم. والله أعلم
الابن: الله أكبر
الاب: ويروى أن رجلا جاء الى رسول الله فقال يا رسول الله اذا أذنبنا، قال يحاسبكم الله بذنبكم.. قال واذا تبنا قال يتوب الله عليكم ويغفر لكم .. قال ثم اذا اذنبنا قال يحاسبكم الله بذنبكم .. قال واذا عدنا وتبنا قال يتوب الله عليكم ويغفر لكم.. وجعل الرجل يردد السؤال والرسول صلّى الله عليه وسلّم يردد الجواب الى أن قال: فوالله لن يملّ حتى تمّلوا.
الابنة: ما أوسع رحمتك يا رب. وكيف خلق الله آدم وحواء وماذا جرى بعد خلقهما، وكيف طردا من الجنة ؟
الأم: لنستكمل كلام الامام علي في نفس الخطبة ونسمعه كيف يصف خلق آدم:
ثم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها (الارض الوعرة والصالحة)، وعذبها وسبخها(حلوها ومرّها) تربة سنها بالماء( صبّ عليها الماء)، حتى خلصت (جبلت) ولاطها بالبلة حتى لزبت (خلطها حتى رقّت ولانت)، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول(أجسام منحنية وموصولة)، وأعضاء وفصول(أقسام جسم الانسان مفصّلة واضحة)، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت(جعلها صلبة ملساء متينة وتركها حتى يبست كالفخار)، لوقت معدود وأمد معلوم (تركها فترة محدودة من الزمن)، ثم نفخ فيه من روحه، فمثلت انسانا ذا اذهان يجليها(عقول يصقلها)، وفكر يتصرف بها، وجوارح يستخدمها(أعضاء)، وادوات يقلبها(أطراف) ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل (الحكمة)، والاذواق والمشّام والالوان الجناس(الحواس)، معجونا بطينة الالوان المختلفة (الطبائع)، والاشباه المؤتلفة(المتجانسة)، والاضداد المتباعده والاخلاط المتباينة(العناصر الكونية) من الحر والبرد والبلّة والجمود، واستأدى الله وديعته لديهم وعهد وصيته اليهم في الاذعان له بالسجود والخشوع لتكرمته فقال سبحانه - اسجدوا لآدم- فسجدوا الا ابليس....
الإبنة: ما هذا انه يتكلّم عن جميع العلوم المكتشفة حديثا!
الأب: لقد كان الامام علي دائما يقول لأصحابه أعلم من الله ما لم تعلمون وما لا استطيع قوله وبيانه. ألم يقل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، أنا مدينة العلم وعلي بابه.
لنتابعه وهو يصف اخراج آدم من الجنة:
ثم اسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه وآمن فيها محلّته وحذّره ابليس وعداوته فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الابرار فباع اليقين بشكّه والعزيمة بوهنه واستبدل بالجذل وجلا وبالاغترار ندما.
ثم بسط الله سبحانه له في توبته ولقّاه كلمة رحمته ووعده المردّ الى جنته. وأهبطه دار البلية وتناسل الذرية
الأم: من هنا نستطيع أن نستنتج أن الهبوط على الارض لزم تناسلا بين البشر حتى تتكاثر ذرية آدم. ولكن لنرى كيف استنبط الامام علي كل هذه الامور من القرآن الكريم.
الاب: عندما قرر الله ان يخلق آدم، جمع الملائكة وابلغهم هذا القرار. ثم يقال والله أعلم انه قبض قبضة من جميع الارض، ثم سوّى آدم على هيئته، ثم نفخ فيه من روحه، فكان أول ما جرى الروح في عينيه وخياشيمه، فعطس.. فقال الله "يرحمك ربك" .. وكانت الرحمة على آدم أول الكلام من الله الى آدم. فنظر آدم بعينيه فرأى ثمار الجنة،، وأراد ان ينهض ولم تكن الروح قد سرت بعد في كل جسده فلم يقدر فقال الله تعالى (خلق الانسان من عجل) صدق الله العظيم.
الام: ثم جاءت الملائكة وسجدت له الا ابليس، ففسق عن أمر ربه، فغضب عليه الله وطرده. وعّلم آدم اسماء كل شيء، وكانت الملائكة تجهل ما اخذه آدم عن ربه من علم
.
الاب: ولكن آدم كان دائما وحيدا، يمشي وليس له رفيق من جنسه وطينته.. فأحس بالملل يوما، وغلب عليه النعاس، لامر أراده الله، فنام نوما ثقيلا. فأخذ الله من ضلوعه ضلعا، وسوّى منه هيئة امرأة.
الام: فلما استيقظ وجدها قاعدة الى جانبه، فقال من هذا، قالت انا امراة خلقني الله من ضلعك، قال ولماذا خلقك، قالت لتأنس ألي.
الاب: وقال الله هذه زوجك يا آدم، فاسكن معها في الجنة، وكلا من حيث شئتما، ولكن لا تقربا هذه الشجرة. ونبههما أن الشيطان هو عدو له وعدو لهما، وأنه سيسعى ليغويهما ويضلهما، وقال يا آدم احذره، فهو يريد أن يخرجكما من الجنة، ليشقيك، لانك في الجنة هنا لا تجوع ولا تعرى، فالطعام والشراب والكسوة مؤمنين لكما.
الابنة: وما هي هذه الشجرة؟
الاب: الله أعلم، منهم من يقول تفاح ومنهم من يقول تين ومنهم من يقول حنطة..
الام: ومنهم من يقول انّ هذه الشجرة تحمل نبتا يحفّز الغريزة الجنسية، بحيث انّه ما أن أكلا منها حتى بانت عورتهما. ولكن الله أعلم بما تكون تلك الشجرة.
الاب: المهم ان الشيطان استطاع ان يغويهما، وأوهمهما أن الله لا يريد لهما أن يقربا هذه الشجرة، لانها شجرة الخلد اذا أكلا منها يصبحان ملكين. فأكلت حواء، وأكل آدم.- فانكشفت عورة الاثنين، وغلب عليهما الخجل، وصارا يداريان عريهما بورق الشجر. فقال له الله، أمنّي تفر يا آدم. قال آدم لا أفر ولكني خجل منك. قال ألم انهكما عن هذه الشجرة، (قال آدم ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
الام: فغلبت رحمة الله على غضبه، وتاب على آدم وقبل منه كلماته أي الدعاء الذي علمه اياه هو. وقرّر اعطائه هو وذريته فرصة ثانية للنجاة بأنفسهم، والتغلب على الشيطان، الذي ما يزال يجري عليهم لينهيهم عن طاعة الله. بسم الله الرحمن الرحيم – (اهبطو منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا همم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون). صدق الله العظيم.
الاب: وهكذا صدر قرار الطرد من الجنة. وروي عن الرسول والله ورسوله أعلم، ان آدم وحواء هبطا الى الارض، وليس عليهما لباس يستر عورتهما، غير ورق من ورق الجنة، فأصاب آدم الحر، حتى قعد وبكى، وقال لامرأته قد أذاني الحر، فجاء جبريل بقطن وأمرها ان تغزل وعلّمها كيف تخيط الملابس، وأمر آدم بالحياكة وعلمه النسج. وكان آدم قد اعتزل حواء معاقبا نفسه من الخطيئة. فجاء جبريل وأمره أن يأنس اليها وينجب منها ذريته.
الام: ويقال والله أعلم ان أول طعام اكله آدم وحوّاء على الارض الحنطة، واول لباس كان كسوة من شعر الضأن جزّاه ثم غزلاه ونسجا منه ثيابا.
الاب: وأنجب آدم من حواء توائم كل توأم من ولد وبنت، وكان يزوّج ذكر كل حمل بأنثى الآخر، وكان قابيل وهابيل أول ذكرين، وكان هابيل يريد أن يتزوج من أخت قابيل، فمانع قابيل ذلك لانه كان يريد أن يستأثر بها لنفسه، فأمر آدم قابيل وهابيل أن يقدّما قربانا، فقرّب هابيل شاة وقرّب قابيل حزمة من زرع رديء زرعه، فنزلت نار أكلت قربان قابيل وتركت قربان هابيل فغضب قابيل وقتل أخاه ليسجل اول جريمة قتل في التاريخ.
الام: فبعث الله غرابا حفر في الارض، فشاهده قابيل وعلم أن الله أراد أن يريه كيف يواري أخاه في التراب، فدفنه وأصبح من النادمين.
الاب: ثم قرر أن يهرب من وجه أبيه، فتوجه الى أرض بعيدة، وسكن في الجبال، وتزوج وأنجب. ويقال والله أعلم، أنه تعلّم كيف يضرب على الصنج، وصار يلهو مع أهله. ثم تعلّم ولده توبلقين، صناعة النحاس والحديد. والله أعلم.
الام: ويقال أيضا، والله أعلم، أن آدم حزن حزنا شديدا على هابيل، وغضب غضبا شديدا على قابيل لقتله أخيه. وكان له غلاما آخر أسماه شيت، وأنجب شيت ذكرا أسماه أنوش، وأنجب أنوش غلاما أسماه قينان، الذي أنجبب مهلاييل، وأنجب مهلاييل غلاما أسماه أخنوخ وهو ادريس عليه السلام، الذي أنجب متوشلح، وأنجب متوشلح غلاما أسماه لامك، وهو والد سيدنا نوح عليه السلام.
الاب: قال أبو هريرة "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " وعن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".
الام: قيل والله أعلم أن الله عز وجل بعث جبريل الى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، وغلب عليهم حقيقة الولادة والموت، والله أعلم.
الاب: فصعد عزرائيل بالتراب فأمر اللهُ أن يُجبل التراب بالماء، حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). فخلقه الله بيده لئلا يتكبّر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً لفترة، فمرّت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدّهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)
الام: وكان إبليس يقول: لقد خلقك الله يا آدم لأمر ما أجهله. ثم دخل من فمه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنّه. بيد أن الله قال لهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله
الاب: فقال آدم الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه يريد الوصول بسرعة إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)
الام: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) يقال انه لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله فكتب القرآن في جبهته. ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلّم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.
الاب: قال آدم يا رب وما ذريتي؟ فبسط الله كفّه فرأى آدم ذرّيته في كف الرحمن، فإذا منهم لهم أفواها من نور، وفيهم رجل يسترعي انتباه آدم لعظيم نوره، قال يا رب من هذا؟ قال ابنك داود قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟ قال جعلت له ستين قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك. والله أعلم
الام: فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعين سنة؟ قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته". وقيل خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى. فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر. والله أعلم
الابنة: وهل يعني هذا ان الانسان مقدّر عليه مصيره ان كان الجنة أو النار؟
الاب: بالطبع لا، ولكن هذا يعني ان الله يعرف مسبقا من هم أهل الجنة ومن هم أهل النار.
الابن: ولماذا لا يصلح الله أهل النار كي يدخلوا الجنة.
الاب: لقد خلق الله الانسان بعدة حواس منها القلب، وجعل فوقهم العقل كي يستعمله الانسان ليعرف طريق الخير من طريق الشر.وأراد الله للإنسان أن يختار كما خيّر والديه آدم وحوّاء من قبل. ولكنّه جعل رحمته تغلب كل شيء. فالانسان يخطيء كما أخطأ آدم وحوّاء والله يعاقب ويرحم كما عاقب آدم وحوّاء وكانت رحمته أشد من عقابه.
الابنة: وهل تشرحان لنا قصة قابيل وهابيل؟
الام: يقال والله أعلم أنه كان يولد لآدم وحواء في كل بطن ذكر وأنثى، وكان آدم يزوّج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.
الاب: وأراد هابيل أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقرّبا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات والارض والجبال على بنيه فأبين، وقبل قابيل أن يتولى رعاية اخوته بحفظ ذلك.
الام: فلما ذهب قرّبا قربانهما؛ فقرّب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرّب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي،
فقال: (إنما يتقبّل الله من المتقين). وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته. وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.
الاب: وقوله له لما توعده بالقتل: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورّع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
الام: وقوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) أي إني أريد أن تحمل وزر قتلي وتتحمّل ذنب ذلك لتصبح من أهل النار.
الاب: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ). يحكى أنه لما قتله ندم وحمله على ظهره مدة لا يعرف ماذا يفعل به، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
الام: يقال والله أعلم، أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه. وراح يهيم على وجهه في الارض هربا من أبيه وأنجب ذرية كانت كلّها على مثاله جنّدها الشيطان لتأتمر بأوامره وتعيث فسادا في الارض.
الاب: وقد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه شيث ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل. ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار، وعلّمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك. ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم انقرضوا وبادوا. والله أعلم.
الام: ولما توفي آدم عليه السلام جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزّوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام. فقبضوه وغسّلوه وكفّنوه وحنّطوه، وحفروا له وصلّوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم غمروه بالتراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنّتكم.
الاب: وقيل أنه دفن عند الجبل الذي هبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة وقيل غير ذلك والله أعلم. وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة. ويقال أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة. قيل أنّه لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. وكان قد عهد الى ابنه شيت، ووصّاه وعلّمه ساعات الليل والنهار، وأعلمه بوقوع الطوفان، والله أعلم.
وسنكمل غدا ان شاء الله ماذا حصل بعد موت آدم
سامي الشرقاوي
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق