رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الثامنة
إسماعيل عليه السلام
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
الأب: ذكرنا بالأمس أن سارة زوجة ابراهيم وهبت زوجها جاريتها هاجر ليأنس اليها علّه يرزق منها بولد، بعدما يأست هي من أن تنجب هذا الولد، وأيقنت أنها بذلك ستساهم في استمرار ذرية ابراهيم بعده، وتنعش قلبه الحزين.
الإبنة: لقد ذكرت لنا من قبل يا أبي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد قال ان الانبياء العرب أربعة هم هود وصالح وشعيب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا. ولم يذكر سيدنا اسماعيل.
الإبن: مع أنه يقال ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو من نسل سيدنا اسماعيل.
الأب: هذا صحيح. ولم يذكره لانه لم يولد عربي من اصل عربي، بل صار عربيا لاحقا وتعلم من العرب لغتهم، وتزوج منهم وانتسب اليهم.
الإبن: والله كنت اظن انه عربيا.
الأب: لا تحزن فهو الذي يتشرّف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالانتساب له.
الأم: ما أن تزوّج ابراهيم من هاجر، حتى حملت منه بإسماعيل، ففرح ابراهيم بذلك فرحا شديدا، واغتمّت سارة بذلك غمّا شديدا، بينما هاجر فقد فطنت لحزن سارة وقررت أن تأمن منها، فأسرّت لابراهيم انها لا تأمن على حالها وجنينها الذي في احشاءها من غدر سارة.
الأب: وعندما ولدت هاجر اسماعيل صارحت سارة ابراهيم انها لا تطيق ان ترى هاجر وابنها في بيتها، فالغيرة بدأت تنهش أفكارها، وطلبت منه ان يطردهما بعيدا عن البلد التي هي فيها.
الأم: فسار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولمّا نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتمّا البناء.
الإبن: ومن أين كانوا يأتوا بالحجارة في هذا المكان الرملي الصحراوي؟
الأم: من التلال والصخور القريبة والبعيدة. ومن أين تظن ان حجّاج بيت الله يأتون بكل ذلك الحصى لرجم ابليس على مدى عصور وعصور.
الإبنة: أجل يا أمي هذا فعلا شيء غريب.
الأم: لقد استعانا بالله على ذلك، والذي أنبع ماء زمزم يستطيع اكثار الاحجار في الصحراء، انه على كل شيء قدير.
الإبنة: ونعم بالله.
الأب: ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) ففداه الله بذبح عظيم.
الأم: كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البيّنة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.
الإبن: وهل نعرف ماذا انزل الله على اسماعيل من صحف؟ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)
الأم: لا نعرف متى أنزل الوحي على سيدنا اسماعيل واية صحف انزلت عليه، ولكن يبدو ان الله خصّه بالوحي والنبوة وأنزل عليه صحفا، وأمره بتبليغ الرسالة.
الأب: قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا - وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا). ويروى أن الله أرسله إلى القبائل العربية التي عاش عليه السلام في وسطها، وقد ذكر المؤرخون أن الله أرسله إلى قبائل اليمن وإلى العماليق. ويؤكد الله في هذه الآية ان اسماعيل لم يكن فقط نبيا بل رسولا يبلّغ رسالة ربه الى الناس ويأمرهم بالصلاة والزكاة، وبشّر الله اسماعيل انه راضي عنه في الدنيا والآخرة.
الإبنة: دائما يذكر الله ان اسماعيل هو صادق الوعد.
الأب: أجل وقد أخذ عنه العرب الصدق بالوعد والايفاء بالعهد حتى ضربت الامثال بهم.
الأم: أحسّت قبيلة من الاعراب تدعى "جُرْهُم" -وهي من القبائل العربية- بأن الوادي أصبح فيه ماء، فوفدت إليه وضربت فيه خيامها إلى جانب الماء، بعد أن استأذنت من هاجر أم الصبي. وشب إسماعيل وتعلَّم اللغة العربية، وتزوج امرأة من "جرهم"، ثم طلّقها بإشارة من أبيه، لأن إبراهيم عليه السلام اختبرها فوجدها شاكية متضجّرة من شظف العيش وشدَّته، ثم تزوج بأخرى.
الأب: ويقال انه وُلد لإِسماعيل اثنا عشر ولداً ذكراً وكانوا رؤساء قبائل. ومن نسله جاء العرب الذين يعرفون بالعرب المستعربة- كما وُلدت له بنتاً زوَّجها من ابن أخيه عيسو "العيص" بن إسحاق.
الأم: وأنزل إليه الله طائفة من الشرائع الربانية وخصّه بمزايا الصدق والصبر والاخلاق الحميدة. كما أثنى الله عليه بأنه من الأخيار، ومن صبره عليه السلام طاعته وامتثاله أمر الله بذبحه.
الأب: كما ان الله خصّه ايضا بمشاركة ابيه ابراهيم ببناء الكعبة ورفع القواعد، وكرّمه بشرف الدعاء مع ابراهيم ومناجاة الله، وشرّفه مع ابيه بتطهير البيت الحرام للطائفين والعاكفين والركَّع والسُّجود. وعده بأن يكون من ذريته أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولاً منهم هو سيدنا وسيد المرسلين محمد صلّى الله عليه وسلم.
الأم: قال تعالى: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ - فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فطاوع أباه على ما إليه دعاه، ووعده بأن يصبر، فوفى بذلك.
الإبنة: لقد وصفه الله بالحليم من قبل ان يولد.
الأب: أجل وقد بلغ قمة الحلم والصبر والطاعة عندما قال لابيه افعل ما يأمرك به الله فستجدني انشاء الله من الصابرين.
الأم: وقال تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ - إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ - وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ - وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) هنا يؤكد الله جل جلاله ان اسماعيل هو من الاخيار الذين اصطفاهم له الى جانب اليسع وذا الكفل وسنأتي لاحقا على سيرتهما باذن الله الكريم.
الإبنة: وماذا يعني "أولي الايدي والابصار"؟
الأم: أي اصحاب الجاه والسلطة والذين يتمتعون بالعلم والنبوغ والهداية.
الأب: وقال تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ - وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) هنا يجمع الله بين اسماعيل وادريس وذا الكفل بجامع الصبر، وانه ادخلهم جميعا برحمته لأنهم من الصالحين.
الأم: وقال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ...) في هذه الآية دليل ساطع أن سيدنا اسماعيل كان يوحى له من الله كما باقي الانبياء من عائلته ابراهيم واسحاق ويعقوب وكما يوحى الى الاسباط.
الابنة: ومن هم الاسباط؟
الأب: هم الذين قيل عنهم انهم اولاد يعقوب عليه السلام وقيل أيضا ان الاسباط هم من الذي خصّهم الله في الآية الكريمة (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فهم يكونون بذلك الفرق التي فرّقها موسى لكي تدخل الارض المقدّسة، وجعل من كل سبط أي فرقة أمّة نشأت بحد ذاتها وجاءت منها ذريّاتها، وبرز فيهم الهداة والانبياء. ولعب الاسباط دورا مهما في تاريخ الحضارات، ودورا أهم في الصراع بين الحركات الدينية والمذهبية التي ولدت من اختلاف العقائد الدينية، لذلك يقول الله تعالى (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
الإبن: وكيف كان ذلك؟
الأب: الجواب في نفس الآية. يخبرنا الله العليم أنّه أمّن لهم مأكلهم ومشربهم في الصحراء القاحلة، وبعث الغيوم لتقيهم حرّ الشمس، وأنزل لهم من السماء حلوى المن وطيور السلوى ليأكلوها. بيد أن اختلافهم فيما بينهم ثم جحودهم والتشكيك بموسى عند كل فرصة يجدونها، والكفر بنعم الله وعدم التقوى، ثم قتالهم مع بعضهم البعض، كل ذلك أثّر عليهم فظلموا أنفسهم بأن حقّ عذاب الله عليهم.
الإبنة: وهل جاء منهم الانبياء بعد موسى؟
الأب: أجل ولكن لم يذكرهم القرآن الا بالجمع لا بالمفرد. وقد ورد ذكر بعضهم في كتب العهد القديم. ويجب ملاحظة أنّهم كانوا أنبياء وليس رسلا. فاقتصر دورهم على الهدي ولمّ الشمل والتذكير بشرائع الله.
الأم: وقال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) وقال تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ آنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ). في هاتين الآيتين الكريمتين يؤكد الله انه انزل الصحف على اسماعيل كما انزلهم على ابراهيم ومن بعدهم اسحق ويعقوب والاسباط وشكك في يهودية او نصرانية هؤلاء الانبياء وسأل ان كان من يدّعي ذلك اعلم من الله الذي خلق الناس وارسل الانبياء.
الإبنة: كما قال من قبل (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا)
الإبن: (ولكن حنيفا مسلما وما كان من المشركين)
الأم: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) وهذا يعني انه من الظلم ان تنسب دينا الى شخص هو ليس دينه وانت تعرف ذلك وتكتم هذه الشهادة.
الأب: وذكر علماء النسب والتاريخ، أن اسماعيل أول من روّض وركب الخيل، وكانت قبل ذلك وحوشاً. عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها ميراث أبيكم إسماعيل). ويقال أن سيدنا اسماعيل أحب الخيل وأراد ترويضها وسأل الله تعالى أن يعينه على ذلك كي يستخدمها الناس في الركوب والتنقّل من مكان الى مكان، والانتفاع بقوتها وسرعتها أثناء المعارك والحروب، فألهمه الله دعاء وصارت الخيل كما نعرفها اليوم.
الأم: وكان سيدنا اسماعيل أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وقد تعلّمها من العرب الذين نزلوا عنده بمكة، من جرهم والعماليق وأهل اليمن وغيرهم.
الأب: وقد تزوّج لما شبّ امرأة من قيل انها من العماليق. فجاءه ابراهيم يوما للزيارة والاطمئنان عليه وعلى شؤونه، فلم يجده في المنزل، فسأل امرأته عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشرٍّ حال وفي ضيق وشدّةٍ وشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه.
الأم: فلما جاء إسماعيل أحسّ أن في البيت شيئا مختلفاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّنا في جهد وفقر وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج بواحدة أخرى.
الأب: ومرّت فترة أراد بعدها ابراهيم ان يذهب للإطمئنان على ابنه، وطرق الباب ففتحت زوجته وكان هوغائبا عن المنزل. فسألها عن اسماعيل؟ فقالت: خرج يبتغي لنا قال: وكيف حالكم وأوضاعكم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، ونعمة من الله عز وجل، وأثنت على زوجها، وقالت أنّه لا يؤخّر عن البيت شيئا يستطيع فعله لتأمين القوت وراحة البال. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
الأم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه"
الأب: قال ابراهيم عليه السلام لزوجة اسماعيل: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وأمُريه يثبّت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه. فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك ولا أفرّط بك.
الأم: ويقال انها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي. وقيل ولدت له اثني عشر ولداً ذكراً، وهم نابت، وقيذر، وازبل، وميشى، ومسمع، وماش، ودوصا، وارر، ويطور، ونبش، وطيما، وقذيما. كما ولدت له بنتا اسماها نسمة وزوّجها من ابن اخيه العيص بن اسحق. وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما والاها، من قبائل جرهم، والعماليق، وأهل اليمن، صلوات الله وسلامه عليه.
الإبنة: ومن أي ولد اسماعيل يرجع نسب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
الأب: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن اسماعيل بن ابراهيم.
الأم: أي هو صلوات الله وسلامه عليه من ولد نابت بن اسماعيل ولكن يقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال "اذا وصلتم في نسبي الى عدنان فأمسكوا". بمعنى لا تذهبوا الى أبعد من عدنان، والله ورسوله أعلم لماذا قال هذا الكلام.
الأب: وقيل انه لما حضر اسماعيل الموت، أوصى إلى أخيه إسحاق، وزوّج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن إسحاق فولدت له سلالة الروم. ويقال لهم: بنو الأصفر لصفرة كانت في العيص. وولدت له اليونان في أحد الأقوال، ومن ولد العيص الأسبان.
الإبنة: هذا يعني أن لاسماعيل الفضل على نسل العرب من أولاده الذكور وعلى سلالة الروم من ابنته نسمة وزوجها العيص.
الأب: هذا تحليل حسن والله أعلم. غير أن الذي يقرأ في النسب والتاريخ يتأكّد أن كل البشر هم من سلالة واحدة ويعود نسبهم كلهم الى آدم عليه السلام. ولم تتفرّق الانساب الاّ بعد أن تفرّق الاخوة، ولم يفرّق الاخوة الاّ ابليس اللعين.
الأم: لمّا ولدت هاجر إبنها إسماعيل عليه السلام، اشتدّت غيرة سارة منها ، وطلبت من زوجها الخليل عليه السلام أن يغيّب وجهها عنها.. فذهب بها وبرضيعها إسماعيل .. فسار بهما حتى وضعهما حيث موقع الكعبة وفوق بئر زمزم اليوم. فلما تركهما وولّى ظهره عنهما ، قامت إليه هاجر وتعلّقت بثيابه ، وقالت يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا؟؟ فلم يجبها، فلمّا ألحَّت عليه وهو لا يجيبها قالت له : آالله أمرك بهذا ؟ قال نعم. فقالت وكلّها ثقة بالله: فإذاً لا يضيّعنا ..
الأب: فانطلق إبراهيم ووقف بعيدا في مكان كان يراهم منه ولا يرونه، واستقبل بوجهه البيت، ثم دعا تلك الدعوات ورفع يديه فقال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). تأملوا في هذه البلاغة في القول، اراد الله ان يكون الذين يعثرون على اسماعيل الطفل وأمه المرأة الضعيفة، أن يكونوا من أصحاب القلوب الرحيمة.
الإبنة: أنا أتأمّل أيضا سيدنا ابراهيم وهو يكفكف دموعه عن وجهه. وأتصوّر انفطار قلبه وحسرته على زوجته وولده.
الإبن: وأنا أتصوّر جَلَده وصبره وايمانه، وعدم تردده في طاعة الله وهو ينفّذ امره فيترك أهله في صحراء قاحلة عرضة للموت.
الأب: ما أقسى هذا المشهد وما أبلغه. ولكن الله أراد لهم نهاية سعيدة، وفاجئهم ان يعثر عليهم اصحاب القلوب الرحيمة تماما كما طلب ابراهيم من ربه، وأن يمنّ عليهم بالخيرات، فنبع الماء الذي انبت الزرع وعمّ الرزق عليهم وعلى اصحاب القلوب الرحيمة الذين عثروا عليهم.
الأم: عندما نفذ ما في السقاء من ماء عطشت هاجر وعطش ابنها، فإنطلقت تسعى حائرة خائفة بين التلة التي سمّيت فيما بعد جبل الصفا وبين التلة التي سميت فيما بعد جبل المروة، علّها تجد أنيسا أو معينا أو أي شيء ينقذها هي وابنها من موت محتّم.
الأب: فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت أنجدنا إن كان عندك ما يغيث طفلي!! فإذا هي بالملك جبريل عليه السلام بجوار رضيعها عند موضع زمزم، فبحث بجناحه - حتى ظهر الماء .. وراحت تغرف من الماء في سقائها .. وزمزم تفور وهي تغرف .. فشربت وأرضعت ولدها .. فقال لها الملك جبريل: لا تخافي الضيعة، فإن بيت الله سيبنى هنا وسيبنيه هذا الغلام وأبوه .. وإن الله لا يضيّع أهله.
الأم: وكان جماعة من قبيلة جُرهم يمرّون من تلك الناحية، فلاحظوا طائرا يحلّق فوق بقعة يعرفون انها بقعة جافّة لا ماء فيها ولا خضرة، فذهبوا للاستطلاع ووجدوا هاجر تحمل ابنها والماء يجري بجانبهما.
الأب: فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء. فقالوا لهاجر: هل تأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم .. ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا : نعم .
الأم: فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربية منهم ، ولمّا أدرك زوّجوه إمرأة منهم..
الأب: وقد ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاثة مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام.
الإبن: وقد استجابا استجابة مطلقة من دون تردد
الأم: والاختبار الثاني عندما كبر إسماعيل.. وتعلّق به قلب إبراهيم.. وقد ولده على كبر وبعد عقم أليم فأحبه حبا لا يوصف.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فأوحى اليه رؤية في المنام يأمره بذبح ابنه وحيده.
الأب: انظروا كيف يختبر الله عباده. تأملوا أي نوع من أنواع الاختبار هذا الذي اختبر به ابراهيم وابنه. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب وُجد في بشر. اتسّع قلبه لحب الله وحب كل خلق الله. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل بأن ينجب.
الأم: تصوّروا هذا الصراع في نفسه. بين عاطفة الأبوة وبين تنفسذ امر الله. وتأملوا كيف لم يجادل ابراهيم ربه في هذا الامر ويطلب منه ان يجنّبه ذبح ابنه. بل قرر ان يصارح ابنه بالامر ويطلب منه رأيه. (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَاا تَرَى).
الإبنة: منتهى الشجاعة والصدق.
الأب: كان ابراهيم يعلم ان هذا الأمر مقضيا الا انه اراد ان يشاركه ابنه اسماعيل في طاعة امر الله كي ينال اسماعيل ايضا رضا الله وكان له ما اراد اذ صار اسماعيل عند ربه مرضيا لانه قال لابيه ان يفعل ما يأمره الله ان يفعل وانه ايضا سيطيع ويكون من الصابرين (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
الابنة: الله اكبر ما هذا الايمان وما هذه الشجاعة؟؟
الأم: صحيح يا ابنتي ... من تمر عليه هكذا محنة ويستطيع ان يفعل كما فعل سيدنا ابراهيم وابنه؟ الا ان قمة الاثارة والتشويق، كانت عندما أسلم الاثنان امرهما الى الله وهم ابراهيم بنحر اسماعيل وصار حد السكين فعلا على رقبة ابراهيم وبدأ فعلا بالذبح .. .
الأب: وفي تلك اللحظة التي كانت كأنها دهر كامل، وكانت السكين تتهيأ لإمضاء أمرالله .. برزت فجأة رحمة الله ونادى الله إبراهيم.. ليخبره انه نجح في الامتحان. وأن الله قد فدا إسماعيل بذبح عظيم - وصار ذلك اليوم وتلك اللحظة عيدا لقوم لم يولدوا بعد. صارت هذه اللحظة عيدا للمسلمين. عيدا يذكّرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
الإبنة: وكأننا نقرأ رواية تشويقية – أو نشاهد فيلما سينمائيا ... والله يا أبي انا ارتعدت خوفا منن مجرد السماع ودمعت عيناي حزنا على ابراهيم واسماعيل.
الابن: فتصوروا كيف كان حالهما في لحظة ذلك المشهد المرعب؟
الأم: والله ان قلبي ينشق كلما سمعت بهذه القصة ثم ارتاح عند نهايتها.. الله يا ربي فاقت حكمتك كل شيء ووسعت رحمتك كل شيئ.
الأب: أما الاختبار الثالث.. فهو عندما كبر إسماعيل.. وجاءه إبراهيم وقال له إن الله أمرني أن ابني له هنا بيتا. واريدك ان تعينني على ذلك.
الابن: فتصوروا كيف كان حالهما في لحظة ذلك المشهد المرعب؟
الأم: والله ان قلبي ينشق كلما سمعت بهذه القصة ثم ارتاح عند نهايتها.. الله يا ربي فاقت حكمتك كل شيء ووسعت رحمتك كل شيئ.
الأب: أما الاختبار الثالث.. فهو عندما كبر إسماعيل.. وجاءه إبراهيم وقال له إن الله أمرني أن ابني له هنا بيتا. واريدك ان تعينني على ذلك.
الإبن: طبعا أطاع اسماعيل والده دون تردد، وقبل أن يعرف شيئا عن هذا الامر. ولم يسأله كيف ولماذا. اعذرني يا والدي لأني أسألك في كل مرة تريدني أن أفعل شيئا لماذا وكيف...
الأب: لا تقلق يا ولدي فأنت لست اسماعيل وأنا لست ابراهيم. ولكن نسأل الله أن يتقبّل منّا حبّهما وحبّه ويرشدنا الى صلاح امورنا. لقد صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام واراد ابراهيم ان يشارك ابنه اسماعيل في بنائه وثوابه. وكأن الله اعلم ابراهيم أن بيت الله هذا سيكون قبلة المسلمين فيما بعد وان اسماعيل سيكون جد محمد صلى الله عليه وسلم. وكان هذا أول بيت لله وضع للناس في الأرض.
الأم: بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. وحفّت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم ومرّت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله. وبدأ بناء الكعبة..
الأب: هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم.
الأم: نفهم من هذا إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحال بعد ذلك على عدد كبير من الرجال.
فأي جهد شاقّ بذله النبيّان الكريمان وحدهما؟
الأب: كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبنائها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد كثير من الرجال الاشداء، ولكنهما بنياها معا بمفردهما، دون فريق عمل وادوات حفر وانشاء، ودون عمال ومهندسين. بنياها وحدهما لا يعينهما بذلك سوى ايمانهما بالله عز وجل وصبرهما الذي لا حدود له وجلدهما الذي تنأى منه الجبال.
الابنة: الله اكبر... كم كانا مندفعين في حب الله وطاعته!
الابنة: الله اكبر... كم كانا مندفعين في حب الله وطاعته!
الأم: صحيح ... ولربما هذا الحب الجارف لله وهذه الطاعة التي لا تعرف حدودا قد ساعدا على جعل الامر سهلا على ابراهيم واسماعيل فرفعا القواعد وهما لا يشعران بأي نصب أو تعب، رحمةً من الله الذي احبهما اكثر مما احبّاه.
الابن: وكم من الوقت استغرق بنائها اذن؟
الام: لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، ولم يحدثنا الله عن زمن بناءها.. بل حدّثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرّد نفسية من كان يبنيها.. ودعائهما وهو يبنياها:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ - رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)
الابن: وكم من الوقت استغرق بنائها اذن؟
الام: لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، ولم يحدثنا الله عن زمن بناءها.. بل حدّثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرّد نفسية من كان يبنيها.. ودعائهما وهو يبنياها:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ - رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)
إن أعظم وأطهر وأصبر وأطوع رجلين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبّل عملهما، وأن يجعلهما مسلمين له.
الأب: وتبلغ رحمة الله بهما أن يلهمهما السؤال بأن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. ليزيد عدد العابدين والطائفين والركع السجود.
الابنة: إنهما يبنيان لله بيته، ومع هذا يشغلهما أمر العقيدة..
الابنة: إنهما يبنيان لله بيته، ومع هذا يشغلهما أمر العقيدة..
الأب: ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله ان يجعلهما وذريتهما امة مسلمة لله ويعلمهما المناسك ويتوب عليهما وهما اللذان لم يقترفا ذنبا يُذكر للتوبة؟
الأم: ثم يتجاوزا بفكرهما زمانهما ويدعوان الله أن يبعث في تلك الذرية القادمة والتي ستسكن الموقع الذي فيه بيت الله رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة.
الأم: ثم يتجاوزا بفكرهما زمانهما ويدعوان الله أن يبعث في تلك الذرية القادمة والتي ستسكن الموقع الذي فيه بيت الله رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة.
الإبنة: هل قولهما يا أبي (وأرنا مناسكنا) هو البداية لشرائع الدين الحنيف؟ واتصال الاديان مع بعضها البعض؟
الأب: هذه ملاحظة مثيرة، ويجوز أن يكون الله يريد أن يخبرنا بذلك. فكلمة مناسك في هذه الآية تعني فعلا الشرائع والسنن. لذلك أمر الله سيدنا محمد أن يتّبع ملّة ابراهيم ودينه الحنيف. ومن هنا نستطيع أن نستنتج كيف ولماذا كان الاسلام هو متمما للاديان ولنعمة الله. (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).
الأم: انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. فأمر إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة. سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. وحين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام.
الأب: انتهى بناء الكعبة. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان..
الأم: من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المؤمنين، والرغبة في زيارة البيت الحرام.
الإبن: وما هو هذا الحجر الاسود؟
الأم: الحجر الأسود حجر لونه أسود مائل للحمرة. موجودعلى علو متر تقريبا في الركن الجنوبي، على يسار باب الكعبة المشرفة، وهو مغروس داخل جدارها.
الأب: ومن الحجر الأسود يبدأ الطواف وينتهي. ولذا يقال له الركن باعتبار وجوده في الركن الأهم من البيت الحرام وهو الركن الذي يبتدئ الطواف منه وهو الركن الشرقي، وأصل لونه أبيض عدا ما يظهر منه فإنه أسود ولعل ذلك بسبب حريق وقع في الكعبة في عهد قريش ثم الحريق الذي حصل مرة أخرى في عهد ابن الزبير مما أدى إلى تفلقه إلى ثلاث فلق وقد قام ابن الزبير بشده بالفضه حينما بنى الكعبة
الأبنة: لقد سمعت أن الحجر الأسود نزل من الجنة أبيضاً ثم سوّدته ذنوب أهل الشرك. ويقال أن ابراهيم اخذه من جبل ابي قبيس؟
الأب: الله اعلم يا ابنتي هناك روايات كثيرة وخيالات خصبة في هذا الشأن.
الأم: وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ما زال شابا يافعا، وصل البناء بقريش إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يتشرّف بوضعه في مكانه، وكادوا أن يقتتلوا، فأشار عليهم أبو أمية المخزومي - وقد كان أكبرهم سناً - أن يحتكموا الى أول داخل من باب الصفا فوافقوا، وكان أول الداخلين هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
الأب: وعندما راؤه قالوا : هذا محمد الأمين، رضينا به حكماً، ورضي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم، فأمرهم أن يبسطوا ثوب فوضعه فيه، ثم أمر ممثلي القبائل أن يأخذ كل ممثل قبيلة بطرف من الثوب ودفعوه إلى مكان الحجر الأسود، وعندما حاذوا مكانه رفعه الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين فوضعه في مكانه. و بذلك حقنت دماء قريش، وعادت الألفة والمحبة بين رجالاتها.
الإبن: وهل دفن إسماعيل نبي الله بالحجر مع أمه هاجر كما يقال.
الأب: يقال والله أعلم أنه دفن عند الحجر مع أمه، وكان عمره يوم مات مائة وسبعاً وثلاثين سنة.
الأم: وقد سُمِّي بحجر إسماعيل وبحجر الحطيم، ولا دليل واضح عن سبب تسميته بذلك. اما تسميته بحجر اسماعيل فيعود والله اعلم لان اسماعيل كا دائم الاقامو عنده في ظل شجرة منها جائت اعواد السواك.
وقد ورد في فضل حجر إسماعيل أحاديث وآثار كثيرة.
الأب: يبدو من القراءة التاريخية أن الحجر كان محل اهتمام الملوك والأمراء، سواء من الحجاز ومكة، أم م خارجها. فعندما لاحظ أبو جعفر المنصور أن الحجر قد بدا عليه التفتّت قال: لا أصبحن حتى يُستَر جدار الحجر بالرخام، فدعا بالعمال فعملوه على السرج قبل أن يصبح، وجدد رخامه المهدي، وكان تبطين البلاط بالرخام عام 161هـ، وكان رخامًا أبيض وأخضر وأحمر وكان مداخلاً بعضه في بعض أحسن من هذا العمل.
ثم لما تكسّر جدده أبو العباس عبد الله بن داود بن عيسى وهو أمير مكة سنة 241، ثم جدَّد بعد ذلك سنة 283 في خلافة المتوكل.
الأم: ثم قام بتجديده وعمّره الناصر العباسي سنة 576هـ، والمستنصر العباسي سنة 631هـ، والملك المظفر صاحب اليمن سنة 659هـ، والملك محمد بن قلاوون سنة 720هـ، والملك علي بن الأشرف شعبان سنة 781هـ، والملك الظاهر برقوق سنة 801هـ، ثم جرت إصلاحات مختلفة فيه سنة 822هـ، وعمّره الملك قانصوة الغوري (916هـ)، والسلطان قايتباي سنة 888هـ، والسلطان عبد المجيد خان 1260هـ.
الأب: من المعلوم تاريخيّاً أن وضع كسوة على الحجر، بدأت عام (852)هـ حين وصلت كسوة الحجر مع كسوة الكعبة من مصر فوُضِعت في جوف الكعبة، ثم تم كسوة الحجر من الداخل في السنة التالية.
الأم: وقد روى ابن جريج أنه كان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس معه عليه أحد، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام؛ ودخل الحجر وأراد الجلوس عليه، ولكن القوم منعوه، فقال عبد المطلب، دعوا ابني فإنه يستشعر بشرف الجلوس، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قط.
الأب: هنا ينتهي حديثنا عن سيدنا اسماعيل، وقد برزنا فيه المحن التي مرّ بها مع ابيه سيدنا ابراهيم الخليل، من تركه له في العراء مع أمه هاجر، وبعدها اخباره بأمر الله بالذبح، ثم تشريفه من الله سبحانه وتعالى وتكريمه بأن جعله يبني بيت الله مع أبيه الخليل.
كل هذا وسيدنا اسماعيل صابر على البلاء والمحن، وممتثل لأمر الله العزيز الرحيم. لم يرد أمر الله، ولم يجادل اباه في طلب طلبه منه.. بل كان دائما المؤمن السبّاق الى طاعة الله والابن السبّاق الى ارضاء والده.
والى الغد انشاء الله مع قصة نبي آخر من أنبياء ورسل الله المكرمين.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق