الأحد، 25 ديسمبر 2016

17 قصة غزوة بدر


رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة السابعة عشرة
غزوة بدر
أول معارك المسلمين

اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

الأب: لمناسبة ذكرى يوم بدر، سنقص اليوم قصة هذه الغزوة التي تعتبر اول معارك المسلمين ضد الكفار بقيادة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

الجميع: عليه افضل الصلاة والسلام.

الأب: تُعدّ هذه الغزوة بداية خروج المسلمين الى العلن لتثبيت دين الاسلام وتثبيت الحق ودحر الباطل، لذلك فقد سمّي ذلك اليوم بيوم الفرقان. فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن كانوا معه إلى المدينة وشرعوا في تكوين دولتهم الوليدة كانت المخاطر والتهديدات متواصلة وتحيط بهم من كل جانب. وفي هذه الظروف أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام.

الأم: واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على قوافلهم التجارية. وعلم ان عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت الشام فانتظر عودتها ليأخذها. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل أخبار حركة القوافل التجارية فعلم بأن القافلة راجعة من الشام فندب الرسول الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش.

الابن: كم كان عدد المسلمين والمشركين في غزوة بدر؟ وما هي النعم التي أنعمها الله على المسلمين في تلك الغزوة؟

 الأب: خيّر رسول الله الناس بالتطوّع لهذه الغارة، فاجتمع عنده 313 رجلاً معظمهم من الأنصار ويقال: إن هذا العدد والله اعلم هو عدد جند طالوت الذين عبروا معه النهر ولم يشربوا منه كما ذكرنا في قصة داود عليه السلام. ولم يكن فيهم سوى فارسين هما الزبير والمقداد والباقون كانوا يتعاقبون كل ثلاثة على بعير واحد. وأرسل الرسول رجلين من الصحابة يتجسسان له أخبار القافلة. وكان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم.

الأم: هنا لا بد ان نذكر انه في هذا الوقت كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي قد رأت والله اعلم رؤيا عن غزو القافلة انتشر خبرها في قريش وسخر منها الناس، على رأسهم أبوجهل. ولكن سرعان ما بان تأويل الرؤيا وعرفت قريش بحقيقة الخبر فثاروا جميعًا وأسرعوا للإعداد لحرب المسلمين، وخرج من كل قبائل العرب رجال سوى قبيلة بني عدي حتى بلغ جيش قريش ألف وثلاثمائة ومعهم مائة فارس وستمائة درع. واستطاع أبو سفيان بدهائه أن يعرف موقع المسلمين فحوّل خط سير القافلة نحو الساحل غربًا تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة وأرسل رسالة لقريش بهذا المعنى، فهمّ جيشهم بالرجوع ولكن أبو جهل صدّهم عن ذلك.

الأب: لم يخطر ببال المسلمين أن سير الحرب سيتحول من إغارة على قافلة إلى صدام مع جيش كبير مسلح يقدر بثلاثة أضعاف عددهم. فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسًا استشاريًّا مع أصحابه ليعرف استعدادهم لمواصلة الحرب المقبلة، وعرض عليهم مستجدات الأمر، وشاورهم في القضية، وقال: "أشيرواعليّ أيها الناس". فقال له سعد بن معاذ: قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. فسر بنا على بركة الله"، فسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بما قاله المهاجرون والأنصار، وقال: "سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين".

الابن: ماذا عنى رسول الله باحدى الطائفتين؟

الأب: قال رسول الله هذا الكلام لأن الله اوحى اليه في الآية الكريمة ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) يعني إحدى الفرقتين، فرقة أبي سفيان بن حرب وقافلته، وفرقة ابي جهل والمشركين الذين نفروا من مكة لمنع عيرهم. وقوله ( أنها لكم )، يعني أن ما معهم غنيمة لكم ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة أي أن تكون لكم دون قتال . أي أنّ الله قد وعدكم العير دون قتال أو النصر في قتال المشركين! ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) أي ان الله يعلم ان الناس تحب الغنيمة دون قتال.

الأم : بعد ان اكّد له صحبه ثبات ايمانهم وعزمهم على نصرته والقتال تحت قيادته ولو اراد ان يخوض بهم معارك في اقاصي الارض تحرّك الرسول صلى الله عليه وسلم واختار مكانًا للقتال يسهل فيه تحكّمهم بالمياه كي لا يصيبهم ظمأ يضعفهم ويعرضهم لمخاطر الهزيمة والقتل. وعلم صلى الله عليه وسلم أن جيش الكفار قرابة الألف، وعلى رأسه سادة قريش وكبرائها.

الأب: عندما نزل المسلمون في مقرهم اقترح سعد بن معاذ بناء مقر لقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استعدادًا للطوارئ، فبنى المسلمون عريشًا ودخل معه في العريش لحراسته أبو بكر الصديق لذلك كان علي بن أبي طالب يقول: "أبو بكر أشجع الناس على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم"، وأقام سعد بن معاذ كتيبة لحراسة العريش مقر القيادة. وقضى الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة في الصلاة والدعاء والتضرع لله وقد عبأ جيشه ومشى في أرض المعركة وهو يقول: "هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله غدًا"، فاستبشر الناس بالنصر.

الأم: أمر قادة جيش قريش عمير بن وهب الجمحي أن يدور دورة حول المعسكر الإسلامي ليقدر تعداده ففعل، ولما عاد قال لهم: "عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، ونواضح يثرب تحمل الموت الناقع. رأيت قوماً ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم". فدبَّ الرعب في قلوب الكافرين وقامت حركة معارضة أفسدها ابو جهل بمكره وحنكته.

الأب: كان الأسود بن عبد الأسد المخزومي في جيش الكفار، وكان رجلاً شرسًا سيئ الخلق أراد أن يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقتله حمزة بن عبد المطلب قبل أن يشرب منه، ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش هم عتبة وولده الوليد وأخوه شيبة وطلبوا المبارزة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فخرجوا على فرسان قريش وقتلوهم. فاستشاط الكافرون غضبًا وهجموا على المسلمين ودارت رحى حرب طاحنة في أول صدام بين الايمان والكفر والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يناشد ربه ويتضرع ويدعو ويبتهل، حتى سقط رداؤه عن منكبيه. ثم رفع رأسه وقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع"، فلقد جاء المدد الإلهي ألف من الملائكة يقودهم جبريل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر"، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: "شاهت الوجوه!"، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه.

الابن: الله اكبر

الأم: ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض المسلمين على القتال، فقال لهم: "والذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"، فقال عمير بن الحمام: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة"، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل رحمه الله. وسأل عوف بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟"، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "غمسه يده في العدو حاسرًا"، فنزع عوف درعًا كانت عليه، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل. وجهد غلامان صغيران من المسلمين هما معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء، طوال القتال يبحثان عن أبي جهل لأنهما أقسما أن يقتلاه؛ لأنه سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل وصلا إليه وقتلاه، ففرح رسول الله وقال "الله أكبر والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، هذا فرعون هذه الأمة".

الأب: ضرب صحابة الرسول رضي الله عنهم وارضاهم أروع الأمثلة في الاستعلاء بإيمانهم وعقيدتهم، وبينوا لنا كيف تكون عقيدة الولاء والبراء. واستمرت المعركة الهائلة والملائكة تقتل وتأسر من المشركين، والمسلمون يستبسلون في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم حتى انتهت بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في مكبٍّ بناحية بدر، ثم أخذ يكلمهم: "بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس". ونزل خبر هزيمة المشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون. وحين جاءت البشرى لأهل المدينة عمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل.

الأم: وقد وقعت غزوة بدر، وتُسمى أيضاً غزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان، في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادة رسول الإسلام محمد، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي. وتُعد هذه الغزوةُ أولَ معركة من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها. وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة. وتمخَّضت عن غزوة بدر عدة نتائج نافعةٍ بالنسبة للمسلمين، منها أنهم أصبحوا مهابين في المدينة وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدرٌ جديدٌ للدخل وهو غنائم المعارك، وبذلك تحسّن حالُ المسلمين الماديّ والاقتصاديّ والمعنويّ.

الأب: دفع الرسولُ صلى الله عليه وسلم لواءَ القيادة العامة إلى مصعب بن عمير العبدري القرشي، وكان هذا اللواء أبيض اللون، فقسم جيشه إلى كتيبتين: كتيبة المهاجرين، وأعطى علمها الى علي بن أبي طالب، وكتيبة الأنصار، وأعطى علمها الى سعد بن معاذ، وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش. ثم جعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت القيادة العامة في يده هو.

الابن: هذا يا والدي انتشار عسكري لوجيستي بكل معنى الكلمة ونحن لم نعرف ان المسلمين كان لهم خبرة في القتال والمعارك من قبل. بل كان معظمهم من الرجال الفقراء البسطاء!

الأب: هذا صحيح ولكن لا تنسى ان ما كان يجري ويحدث في ذلك اليوم لم يكن عاديا بل كان بوحي الله وحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويجب ان نذكر ان الرسول فتح باب التشاور والديمقراطية واغلب الظن ان المسلمون لم يصلوا الى وضع الجيش في تلك المواقع الا بعد ان اشترك الجميع في الرأي والمشورة اضافة الى ان القائد الذي عينه الرسول صلى الله عليه وسلم هو
مصعب بن عمير العبدري القرشي الذي كتم اسلامه ما يقارب العام وعرف من اسرار قريش وخصوصا اسرار وطبائع قادتها الذين شاركوا في معركة بدر ما ساعده على توزيع الجيش بشكل يقضي على كتائب المشركين المقابلة وزعزعتها وابادتها، وهذا ما حصل.

الأم: يقول الله تعالى انه قد أنزل على المسلمين في تلك الليلةِ النعاسَ والطمأنينة، ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ). وكان هذا النعاس في الليلة التي سبقت القتال، فنام القوم نوماً عجيبًا برغم ما كان بين أيديهم من الأمر المهم. أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ظل يصلي حتى أصبح. قال علي بن أبي طالب: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وكلنا تيام، إلا رسول الله جالس تحت شجرة يصلي ويسبح حتى أصبح

الأب: وبدأ الرسول بالتخطيط للمعركة، فصفَّ المسلمين فاستقبل المغرب وجعل الشمس في ظهر جيشه وفي وجه أعدائه حتى تؤذي أشعتها أبصارهم. كما أخذ يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاً اسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فطعنه في بطنه، وقال له: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف الرسول محمد عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد فقبّل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟، قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له الرسول محمد بخير.

الأم: ثم بدأ الرسول بإصدار الأوامر والتوجيهات لجنده، فنهى عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف، قال: ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم، كما أمر الصحابةَ بالاقتصاد في الرمي، قال: واسْتَبْقُوا نَبْلَكم. وقد كان لتشجيع الرسول لأصحابه أثرٌ كبيرٌ في نفوسهم ومعنوياتهم، فقد كان يحثهم على القتال ويحرضهم عليه، ومن تشجيعه أيضاً أنه كان يبشر أصحابه بقتل صناديد قريش، ويحدد مكان قتلى كل واحد منهم، كما كان يبشر المسلمين بالنصر قبل بدء القتال فيقول: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة. وقد دعا الرسول للمسلمين بالنصر فقال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني».

الأب: كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه ليلة اليوم الذي التقى فيه الجيشان، أنّ المشركين عددهم قليل، وقد قص رؤياه على أصحابه فاستبشروا خيرًا، ( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول جل جلاله (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ). وقد ابتكر الرسول في قتاله مع أعدائه يوم بدر أسلوبًا جديدًا في مقاتلة الأعداء، لم يكن معروفًا من قبلُ عند العرب، فقاتل بنظام الصفوف، وهذا الأسلوب أشار إليه القرآن في سورة الصف في هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) وتقل هذه الصفوف أو تكثر تبعًا لقلة المقاتلين أو كثرتهم. وتكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان، وتكون الصفوف التي خلفها من أصحاب النبال، لتسديدها من المهاجمين على الأعداء. كما اتبع الرسولُ أسلوب الدفاع ولم يهاجم قوة قريش، وكانت توجيهاته التكتيكية التي نفذها جنوده سببًا في زعزعة مركز العدو، وإضعاف نفسيته، وبذلك تحقق النصر على العدو برغم تفوقه.

الأم: وآمن المقاتلون مع الرسول بحديثه عن وصول جبريل ومعه الفا من الملائكة بكامل عدتهم وعتادهم لنصرة الرسول. وهذا العدد الذي ذكره الرسول عن 1000 ملاك سوّى الفريقين بعدد المقاتلين، فاطمئن المسلمون وقاتلوا وهم علي يقين بأن النصرة لهم. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: جاء رجل من الأنصار قصير القامة بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا، فقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهًا على فرس أبلق ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم.

الأب: وبدأت أمارات الفشل والاضطراب تظهر في صفوف قريش، واقتربت المعركة من نهايتها، وبدأت جموع قريش تفِرُّ وتنسحب، وانطلق المسلمون يأسرون ويقتلون حتى تمت على قريش الهزيمة.
وقُتل القائد العام لجيش قريش، وهو عمرو بن هشام المخزومي المعروف عند المسلمين باسم أبي جهل، فقد قتله غلامان من الأنصار هما معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ويروي الصحابي عبد الرحمن بن عوف قصة مقتله فيقول: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار، فسألني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟، قلت: «نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟، قال: «أُخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك، فقال الآخر نفس المقال، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله فأخبراه، فقال: «أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟»، قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله.

الأم: لما انتصر المسلمون وقع في أيديهم سبعون أسيراً، قال الرسول محمد: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا، فقال العباس: قطعت رحمك، فدخل الرسول محمد ولم يَرُدَّ عليهم شيئاً، ثم خرج عليهم فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)  وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) ، ثم قال: أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، قال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء فإنه يذكر الإسلام، فسكت الرسول محمد، يقول ابن مسعود: فما رأيتُني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء كما ذلك اليوم، حتى قال الرسول محمد: «إلا سهيل بن بيضاء»، فنزلت الآية: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

الابنة: يا حبيبي يا الله ما اكرمك وما اعدلك

الأب: ولما رجع الرسول محمد إلى المدينة المنورة فرَّق الأسرى بين أصحابه، وقال لهم: استوصوا بهم خيرًا، وقد روي عن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير أنه قال: كنت في الأسرى يوم بدر، فقال رسول اللهاستوصوا بالأسارى خيرًا وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر، وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله. وقال أبو العاص بن الربيع: كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون. وبعثت قريش إلى الرسول في فداء أسراهم، ففدى كلُّ قوم أسيرَهم بما رضوا، وكان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل الرسول فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة، وبذلك شرع الأسرى يعلِّمون غلمان المدينة القراءة والكتابة، وكل من يعلِّم عشرة من الغلمان يفدي نفسه.

الابن: والله يا رسول الله انك مدرسة كاملة

الابنة: لا ليس مدرسة بل هو مدينة العلم؟

الأم: كان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، كما أصبح للدولة الإسلامية الجديدة مصدرا للدخل من غنائم الجهاد؛ وبذلك انتعش حال المسلمين المادي والاقتصادي بما غنموا من غنائم بعد بؤس وفقر شديدين داما تسعة عشر شهرًا. أما نتائج الغزوة بالنسبة لقريش فكانت خسارة فادحة، فقد قُتل فيها أبو جهل عمرو بن هشام وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم من زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعةً وقوةً وبأسًا، ولم تكن غزوة بدر خسارة حربية لقريش فحسب، بل خسارة معنوية أيضاً، ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط، بل أصبحت تهدد أيضاً سيادتها ونفوذها في الحجاز كله.

الأب: هذا ما اردنا ان نبينه في ذكرى هذه المعركة التي دارت بين المؤمنين والكفار والتي ثبّتت شوكة المسلمين ورفعت مكانتهم وجلبت لهم بعد ذلك المزيد من الذين تركوا الكقر واعلنوا اسلامهم وشاركوا بعدها بالقتال مع رسول الله حتى جاء يوم فتح مكة وظهر الحق وزهق الباطل وقامت الدولة الاسلامية باذن الله وعونه.
ونتابع في الغد ان شاء الله قصص الانبياء ولنا وقفة مع سيدنا يونس الذي التقمه الحوت.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: