الأحد، 25 ديسمبر 2016

18 قصة يونس عليه السلام

رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الثامنة عشرة
يونس عليه السلام

اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

الأب: سيكون لنا اليوم موعدا مع سيدنا يونس الذي مكث فترة في بطن الحوت بسبب خطيئة اقترفها ثم انجاه الله ليتابع رسالته.

الابن: وكيف ابتلعه الحوت ولماذا؟

الأب: قال الله تعالى في سورة يونس: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)

الأم: وقال الله تعالى في سورة الصافات: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ - فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ - فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ - فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ - وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ - وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ - فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)

الأب: بُعث يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمرّدوا وطغوا بكفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك ولم يؤمنوا ولم ينصتوا لما يقوله يونس لهم غضب منهم غضبا شديدا وخرج من ديارهم وهدّدهم بعذاب يحلّ بهم بعد ثلاثة ايام. فلما خرج، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم من كفر والحاد، ولجأوا إلى الله عز وجل متضرّعين له ان يغفر لهم وبيامحهم على ما اقترفوا من ذنوب. فكشف الله عنهم العذاب، وغفر لهم خطاياهم، فأصبحوا من القوم المؤمنين. ولهذا قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) وقال تعالى ايضا: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ - إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).

الأم: فلما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً بسبب قومه، ركب سفينة في البحر، فجنحت وماجت ببمن عليها من ركان ومن ضمنهم يونس عليه السلام، وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون. فتشاور ركاب السفينة فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليخففوا من حمولتها فتعتدل ويسلم وضعها على الماء وينجو الباقون. فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به أن يُلقة وهم يعرفون قدره ومكانته وان تبي مرسل، فأعادوا القرعة ثلاث مرات وهي في كل مرة تقع عليه، لما يريده الله به من الأمر العظيم. والله اعلم.

الأب: قال الله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ - فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ). وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، بعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً، فليس لك برزق.

الابن: هلا فسّرت لنا يا والدي الكلام في هذه الآية مثل فلما أبق - فساهم - المدحضين - مليم؟

الأب: حاضر يا بني. أبق في اللغة تعني هرب او تمادى في الفعل، اما ابق في هذه الآية فتعني انه تمادى بالخروج عن امر الله لأن الله عز وجل لم يأمره ان يتوعّد قومه وينذرهم ويتوعدهم. وأما ساهم فتعني انه شارك في القرعة. والمدحضين تعني المغلوبين في القرعة اي وقعت القرعة عليه ليرمي نفسه من السفينة. وأما مليم فتعني انه ملام من الله عز وجل بسبب ما فعله.

الأم: فلما بلعه الحوت وطاف به البحار كلها، واستقر يونس في جوفه حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي، فخر لله ساجداً وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً لم يعبدك أحد في مثله. وقيل انه سمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينها وما تحت الثرى.
الابنة: لا اله الا الله - كم انت عظيم بقدرتك يا الله.......

 الأب: فعند ذلك دعا يونس ربه دعاء لم يقدر الله ان لا يستجيب له فتأملوا هذه الآية الكريمة، (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) تأملوا تلك اللحظات التي عاشها سيدنا يونس في جوف الحوت، التي بقدر ما كانت مرعبة لم تكن لتمنع يونس من الاعتراف بأنه ظلم نفسه وان لا اله الا الله سبحانه الذي لا يتم شيئ الا بأمره. لم يخف يونس ما حل به في جوف الحوت بقدر ما خاف من غضب الله وبقدر ما حرص على تصحيح خطأه. فلم ينتظر الله بعد ذلك لحظة واحدة وغفر فورا ليونس فقذفه الحوت من بطنه الى البر ليعطينا الله مثلا انه هكذا ينحي الله كل مرمن يتوب اليه.

الابن: سبحان الله ما اعدلك وارحمك بالعباد يا ودود يارب العباد وكل ما هو موجود.

الأم: لذلك ايضا قوله تعالى: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) قيل معناه: لولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح والاعتراف لله بالخضوع والتوبة إليه، والرجوع إليه للبث هنالك إلى يوم القيامة. ولبعث من جوف ذلك الحوت. ويروى عن أم سلمة انها قالت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحماً ولا تكسر عظماً، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر. قال فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه. فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة. قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح! قال: نعم. قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل. والله اعلم

الأب: كما روي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فأقبلت الدعوة تحن بالعرش، فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: يا رب ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عملاً متقبلاً، ودعوة مجابة. قالوا: يا ربنا أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه في العراء. والله اعلم

الأم: ويقال والله اعلم انه طُرح بالعراء وانبت الله عليه شجرة يقطين او القرع. وقد قال الله تعالى: (فَنَبَذْنَاهُ بالعراء) أي: ألقيناه بِالْعَرَاءِ وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من الأشجار بل هو عار منها. (وَهُوَ سَقِيْمٌ) أي: ضعيف البدن مريض. قيل كان كهيئة الفرخ ليس عليه ريش. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس بن متى. وسألوه هي ليونس خاصة أم للمؤمنين أيضا فقال صلّى الله عليه وسلم : هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها. ألم تسمع قول الله تعالى: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فهو شرط من الله لمن دعاه به.

الأب: قال الله تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين) وذكره تعالى في جملة الأنبياء الكرام في سورتي النساء والأنعام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى. وكانوا يسمونه يونس.. وذا النون.. ويونان. وكان نبيا كريما أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم، وينصحهم، ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار، ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد

الأم: وسيدنا يونس هو يونس ابن متى ، وهو ابن العجوز التي نزل عليها سيدنا إلياس كما ذكرنا في قصته، فاختبأ عندها من قومه ويونس صبي يرضع، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه ، ولا تدخر عنه كرامة تقدر عليها . ثم لما اشتد عليه الضيق هرب الياس واختبأ في كهف بالجبل. مرض ابن العجوز مرضا مات فيه، فخرجت في أثر إلياس تبحث عنه في الجبال حتى وجدته ، فسألته أن يدعو الله لها لعله يحيي لها ولدها، فجاء إلياس إلى الصبي وهو ميت في الفراش، ودعا الله فأحياه الله  بدعوة إلياس عليه السلام والله اعلم.

الأب: واختلف العلماء في رسالته هل كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده . فمنهم من قال ان جبريل جاءه وامره ان ينطلق إلى أهل نينوى لينذرهم أن العذاب قد حضرهم . فغضب فانطلق إلى السفينة فركب ، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدم ولا تتأخر لثقل حمولتها من الركاب. فتساهموا ، فوقع السهم على يونس فرمي في البحر، واسرع الحوت ليلتقمه فأوحي اليه أن الله لم يجعل يونس له رزقا ، إنما جعل الحوت حرزا ومسجدا ليونس . فظل يعوم وهو في بطنه حتى ألقاه في نينوى. وقيل إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت، واستدل هؤلاء بأن الرسول لا يخرج مغاضبا لربه، فكان ما جرى منه قبل النبوة. وقال آخرون انما كان ذلك منه بعد دعائه من أرسل إليهم إلى ما أمره الله بدعائهم إليه، وتبليغه إياهم رسالة ربه، ولكنه وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس الله في وقت وقته لهم. ففارقهم إذ لم يتوبوا ولم يرجعوا الى طاعة الله. فلما أظل القوم العذاب وغشيهم - كما قال الله تعالى في تنزيله - تابوا إلى الله ، فرفع الله العذاب عنهم، وبلغ يونس سلامتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال وعدتهم وعدا فكذب وعدي . فذهب مغاضبا ربه وكره الرجوع إليهم. والله اعلم.

الأم: لا أحد يعرف عنف المشاعر والأحاسيس التي راحت تعتمل في نفس يونس غير الله وحده.. كان يونس غاضبا من قومه، كان حانقا آسفا وحزينا فذهب إلى شاطئ البحر وقرر أن يركب سفينة تنقله إلى مكان آخر. لكن لم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم، وظن يونس أن الله لن ينزل به عقوبة لأنه ترك قومه، وغاب عنه عليه السلام أن النبي مأمور بالدعوة إلى الله فقط، ولا عليه أن تنجح الدعوة أو لا تنجح.. المفروض أن يدعو لله ويترك مسألة النجاح أو عدمه لخالق الدعوة ولكنه خرج حانقا وركب السفينة.

الابنة: هل هناك تفاصيل اكثر عن قصة سيدنا يونس في البحر وبطن الحوت؟

الأب: يقال والله اعلم انه لما ابحرت السفينة وجاء الليل، انقلب البحر فجأة فهبت عاصفة مخيفة كادت ان تشق السفينة. وبدأت الأمواج ترتفع كالجبال وتبطش بأخشاب المركب، وراحت تكتسح سطح المركب وتصدم الواقفين فوقه وتغرق ملابسهم بالمياه ووراء السفينة كان حوت عظيم يشق المياه وهو يفتح فمه متعقبا السفينة. ولما استمرت العاصفة وراحت تنذر بغرق السفينة، أهاب رئيس النوتية بالأيدي أن تخفف أحمال السفينة، وطرحت الصناديق والرزم والجرار. صعد يونس إلى سطح السفينة فلم يكد يراه القبطان حتى صرخ لقد ثارت العاصفة في غير وقتها المعهود، لانه معنا رجل خاطئ ثارت بسببه العاصفة، وأمر باجراء القرعة على الركاب.. وقال من خرج اسمه ألقيناه في البحر.

الأم: كان يونس يعرف أن هذا تقليد من تقاليد السفن عندما تواجه العواصف، وكان متبعا أيامه. فساهم يونس كارها ووضع اسمه مع أسماء الركاب.. وأجريت القرعة فخرج اسمه وأعيدت القرعة مرة ثانية كما هي العادة فخرج اسم يونس. لم يعد هناك غير إجراء القرعة مرة ثالثة ثم يستقر الرأي على من يلقونه في البحر. وأحاطت الأنظار بيونس.. التفت حوله نظرات الشك مثل ثوب النار.. وأجريت القرعة للمرة الثالثة.. ودق قلب يونس وقبطان السفينة يقرأ اسمه للمرة الثالثة. فانتهى الأمر وتقرر أن يرمي يونس نفسه في البحر.. أدرك يونس وهو يعتلي خشب السفينة أنه قد أخطأ حين ترك قومه غاضبا وظن أن الله لن يوقع عليه عقوبة. أخطأ يونس لأنه ترك قومه بغير إذن الله.. والآن فان الله سبحانه وتعالى يعاقبه.. وقف يونس على حاجز السفينة ينظر إلى البحر الهائج والأمواج السوداء.. وكانت الدنيا ليلا، وليس هناك قمر، والنجوم تختفي وراء ضباب أسود.. ولون المياه أسود.. ظلمات.
وصرخ القبطان به ان يقفز الى المجهول وكانت العاصفة تشتد مع كل لحظة، فسلّك امره الى الله وقفز من السفينة.

الأب: سقط يونس في البحر ووجد الحوت يطفوا على الموج وكأنه ينتظره. وتلقف الحوت يونس وبلعه حتى بات في جوفه وعاد إلى أعماق البحر ويونس معه في داخل بطنه. وفوجئ يونس بنفسه في بطن الحوت، والحوت في قاع البحر، والبحر يغطيه ديجور الليل.. ظلمات ثلاث.. بعضها فوق بعض.. ظلمة جوف البحر.. وظلمة قاع البحر.. وظلمة الليل.. وظن يونس أنه مات.. فحرك حواسه وادرك انه حي لكنه سجين وسط تلك الظلمات الثلاث.

الابنة: يا الهي ما هذا المشهد المروّع؟ والله لفد ارتعدت فرائصي خوفا من مجرد سماع وتخيل المشهد. فكيف كان حال سيدنا يونس وهو يعيش تلك الواقعة؟

الأم: فعلا مشهد مفزع والذي جرى على سيدنا يونس لا يمكن لبشر ولا اي مخلوق ان يتحمّله، بل يموت من فوره. لكن سيدنا يونس كان رابط الجأش لكنه خائف خوفا لا يوصف. وبدأ يبكي ولا يفتر عن تسبيح الله.. ثم قال جملته المشهوره ( لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين)

الأب: تعب الحوت من السباحة ولم يتعب سيدنا يونس من التسبيح والاستغفار، لا يتوقف ولا يهدأ ولا ينقطع بكاؤه. وسمعت الأسماك والحيتان والنباتات وكل المخلوقات التي تعيش في أعماق البحر صوت تسبيح يونس،  واجتمعت كل هذه المخلوقات حول الحوت وراحت تشارك سيدنا يونس بتسبيح الله كلٌ بطريقته الخاصة ولغته الخاصة.

الابن: سبحان الله

الأم: واستيقظ الحوت الذي ابتلع يونس على أصوات التسبيح هو الآخر. فشاهد في قاع البحر مهرجانا عظيما من الحيتان والأسماك والحيوانات البحرية والطحالب والصخور والرمال وهي تسبح الله.. فاشترك الحوت في التسبيح وأدرك أنه ابتلع نبيا.

الابنة: لا اله الا الله!!

الأم: مكث يونس في بطن الحوت زمنا لا نعرف مقداره.. ولكنه ظل طوال الوقت يقوم بتسبيح الله ويقول بقلبه ولسانه ودموعه (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فأوحى الى الحوت أن يخرج إلى سطح البحر ويقذف بيونس من جوفه عند جزيرة حددها له. وأطاع الحوت وقذف يونس إلى البر فوق جزيرة عارية.

الأب: كان جسده ملتهبا بسبب الأحماض في معدة الحوت. وكان هو مريضا، وأشرقت الشمس فلسعت أشعتها جسده الملتهب فكاد يصرخ من الألم لولا أنه تماسك وعاد للتسبيح وأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين.. وهو نبات أوراقه عريضة تقي من الشمس.. وأفهمه الله تعالى أنه لو لا التسبيح لظل في جوف الحوت إلى يوم القيامة.

الأم:  ومع قصة سيدنا يونس نختم هذه الليلة الكريمة بعد ان سعدنا فيها برواية قصة سيدنا يونس عليه السلام. والى الغد انشاء الله مع قصة جديدة.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: