الأحد، 25 ديسمبر 2016

21 قصة يحيى عليه السلام


رمضانيات
الحلقة 21
يحيى عليه السلام
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

قصة النبي يحيى عليه السلام

الأب: نسرد اليوم قصة سيدنا يحيى عليه السلام. (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِين).

الأم: قيل أنّ حمل السيدة العذراء مريم بعيسى كان في الوقت الذي كانت فيه زوجة زكريا حاملاً بيحيى، وأن سيدنا عيسى قد ولد بعد ميلاد يحيى بثلاثة أشهر. والله أعلم

الأب: نشأ يحيى كما بشَّر الله نشأة صلاح وتقوى وعلم، وقد آتاه الحكم صبياً، وأقبل على معرفة الشريعة وأصولها وأحكامها حتى صار عالماً متبحراً، ومرجعاً يرجع إليه في الفتاوى الدينية. ثم وافته النبوة والرسالة قبل أن يبلغ من العمر العشرين من عمره.

الابنة: يا الهي ... لقد مات وهو بعد في مقتبل العمر. لماذا؟

الأب: ومن يستطيع ان يعرف حكمة الله بذلك؟ لا يمكن ان نجد تفسيرا واضحا لماذا اراد الله ان يكون عمر سيدنا يحيى قصيرا بهذا الشكل غير ان نؤمن ان هذه مشيئة الله واذا قضى شيئا فلا مردّ لقضائه.

الابنة: ونعم بالله...
الأم: وقال الله (يا يحيى خُذِ الكتابَ بقوة). أي اجتهد في معرفة الحكمة التي يلقيها عليك في كتاب التوراة. ولا تجعل اي شيء آخر يلهيك عن ذلك. فكان في صباه يأوي إلى القفار، ويقتات جراداً وعسلاً بريَّاً، ويلبس الصوف من وبر الإبل. وعندما يطلب منه رفاقه اللعب معهم يقول ما للعب خلقت.

الأب: ويُسمَّى يحيى عند اخواننا المسيحيين يوحنَّا، ويلقبونه المعمدان لأنه كان قد تولى التعميد المعروف عند النصارى، وهو التبريك بالغسل بالماء للتوبة من الخطايا. قالوا: وقد ظهر في ناحية الأردن ينذر الناس بالتوبة، فخرج إليه أهل أورشليم والكور القريبة من الأردن، فكان يعمّدهم في النهر وينذرهم باقتراب ملكوت السماوات.

الأم: وقد عمَّد سيدنا يحيى سيدنا عيسى في نهر الأردن وبرَّك عليه وهو ابن ثلاثين سنة، والله أعلم. وقد سأل اليهود يحيى عليه السلام هل أنت المسيح؟ فقال: لا فسألوه: هل أنت النبي؟ فقال: لا، فقالوا له: لماذا تُعمَّد إذا لم تكن المسيح ولا النبي؟ فقال: "أنا صوت صارخ في البرية فهيئوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة". والله اعلم

الأب: كان حاكم فلسطين في ذلك الوقت اسمه هيرودس وكان رجلاً شريراً فاسقاً، وكانت له ابنة أخ يقال لها هيروديا، وكانت بارعة الجمال، فأراد عمها هيرودس أن يتزوج منها، وكانت البنت وأمها تريدان هذا الزواج، فلما علم يحيى عليه السلام بذلك أعلن معارضته لهذا الزواج، وبينَّ تحريم زواج العم بابنة أخيه في الشريعة. فحقدت أم الفتاة على يحيى، وبيَّتت له مكيدة لقتله. فزينت ابنتها هيروديا بأحسن زينتها، وأدخلتها على عمها، فرقصت أمامه حتى ملكت مشاعره، فقال لها تمنَّي عليّ، فقالت له كما علمتها أمها، أريد رأس يحيى بن زكريا في هذا الطبق فاستجاب لطلبها، وأمر بيحيى عليه السلام فقُتل، وقدم له رأسه في طبق، والدم ينزف منه. والله اعلم

الابنة: ما هذا الاجرام. اصحيح هذا ما جرى يا أبي؟

الأب: الظاهر انه صحيح لان معظم كتب التاريخ قد تداولت هذه الحادثة ايضا لكننا دائما نقول الله اعلم. وجاء تلاميذ يحيى وأخذوا جثته ودفنوها، ثم جاؤوا إلى المسيح عيسى وأخبروه بمقتل يحيى عليه السلام.

الأم: وكان يحيى عليه السلام محبًّا للعلم والمعرفة منذ صغره، وقد أمره الله تعالى بأن يأخذ التوراة بجد واجتهاد، فاستوعبها وحفظها وعمل بما فيها، والتزم بأوامر الله سبحانه وابتعد عن نواهيه، قال تعالى: ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا).

الأب: وقد ابتعد يحيى عن لهو الأطفال، فيحكى أنه كان يسير وهو صغير إذ أقبل على بعض الأطفال وهم يلعبون فقالوا له: يا يحيى تعال معنا نلعب، فرد عليهم يحيى عليه السلام ردًّا بليغًا فقال: ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا لعبادة الله.

الأم: وكان يحيى متواضعًا شديد الحنان والشفقة والرحمة وخاصة تجاه والديه، فكان مثالاً للبر والرحمة والعطف بهما، قال تعالى عن يحيى: (وحنانًا من لدنَّا وزكاة وكان تقيًّا . وبرًّا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًّا).

الأب: وحمل يحيى لواء الدعوة مع أبيه، وكان مباركًا يدعو الناس إلى نور التوحيد ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام، وكان شديد الحرص على أن ينصح قومه ويعظهم بالبعد عن الانحرافات التى كانت سائدة حين ذاك.

الأم: وذات يوم جمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس ثم صعد المنبر، وأخذ يخطب في الناس، فقال: "إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن.. أولهنَّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق فضة فقال: هذه داري، وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك" ؟! "وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك."
 وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله". والله اعلم

الأب: وكان يحيى يحب العزلة والانفراد بنفسه فكان كثيرًا ما يذهب إلى البراري والصحاري، ليعبد الله عز وجل فيها وحده، وروي أن يحيى عليه السلام لم يأت بخطيئة قطُّ، ولم يقبل على ذنب أبدًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا لأن يحيى ما هم بخطيئة ولا عملها" ولقد رأى النبي  صلى الله عليه وسلم يحيى عليه السلام ليلة المعراج في السماء الثانية يجلس مع عيسى بن مريم. والله اعلم

الأم: يقول صلى الله عليه وسلم: (.... ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل.. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.. فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح".  وروي أنه مات قتيلاً على يد بني إسرائيل. والله اعلم

الأب: ذكر خبر ولادة يحيى عليه السلام في قصة نبي الله زكريا. وقد شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا).. ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله. واذا كان العلم مفهوما ماهيته، فإن الحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.

الابن: اهذا صحيح يا والدي ان الحنان هو العلم الشمولي؟

الاب: صحيح يا بني لان الذي يزرع الله الحنان في قلبه يستطيع ان يرى الكائنات حوله بصورة اوضح واجلى ويستطيع ان يفهمها ويفهم وظائفها ويساعده هذا الفهم على تطوير عقله والبحث عن مفهوم العلم والحكمة.

الابنة: سبحان الله .. هذه نظرية يجب التوسع فيها.

الأب: سيكون لنا نقاش فيها في المستقبل ان شاء الله لان نقاشها مستفيض ومتشعب ويلزمه بحثا دقيقا ومراجع واسعة.

الأم: لنرجع اذن الى ذكر ما ورد عن نبي الله يحيى. فقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. فهو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أُهدر دمه لانه قال كلمة حق في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.

الأب:  يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. منها انه كان معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم ويقال أن يحيي وعيسى التقيا يوما. فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني. قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني. قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك. وهذا مرجعه الى قوله تعالى في سيدنا يحيى " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا". وقوله في سيدنا عيسى " وسلامٌ عليّ يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا".

الابنة: الله الله .. والله لم انتبه لهذا الامر ابدا!

الأم: يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء. قال قائل: موسى كليم الله. وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته. وقال قائل: إبراهيم خليل الله. ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟

الأب: ولد يحيي عليه السلام وكان ميلاده معجزة. وكانت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت. ويروى والله اعلم ان كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.

الأم: وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).

الأب: صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن ينكب على الدراسة وتحصيل العلم والمعرفة. ولهذا فقد رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي. وكان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه. وكان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.

الأم: وكان كلّما كبر يحيي زاده الله علما، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم بالمغفرة. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله وتنسّكه.

الأب: وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله.

الأم: يقول بعض المفسرين للعهد الجديد ان يوحنا كان يقرع اليهود منتقدًا عقيدة "شعب الله المختار": "لا تقولوا لنا إبراهيم أبًا، فإني أقول لكم إن الله قادر أن يطلع من هذه الحجارة أولادًا لابراهيم". ولا شك أن كثير من اليهود قد صدموا حينما سمعوا يوحنا يقول أن النسب والبنوة لا تنفع، وأن العلاقة مع الله لا تحددها سلاسل الأنساب. لهذا فقد كان يحيى مادة تصادمية للمفهوم اليهودي. ففي النقاشات اللاهوتية اللاحقة حول علاقة الإيمان والعمل بالخلاص فقد جاؤوا بما معناه إن الفأس أيضًا قد وضعت على أصل الشجر: فكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتطرح في النار. أي أن يوحنا اعلن تلازم الأعمال الصالحة مع الإيمان الصادق. مما يجوز ان يعني التنبؤ بانتهاء سلالة النبوة عند بني اسرائيل وبدء ديانة جديدة بقيادة سيدنا المسيح عيسى عليه السلام.

الأب: وهذا ما خلق حالة من الانتظار لدى بني إسرائيل ليس فقط لنبي بل "للمسيح" الذي وعد به من أيام داود مخلصًا لبني إسرائيل ومقيمًا للعدل والسلام على الأرض. ووفق العقائد المسيحية فإن يوحنا إنما كان يشير في حديثه إلى يسوع نفسه. ووفق هذه العقائد أيضًا فإن نبؤة يوحنا المعمدان عن "معمودية الروح القدس" قد تحققت فعلاً حين نزل الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر وجموع من المؤمنين معهم، بعد عشرة أيام من ارتفاع يسوع إلى السماء والله اعلم.

الأم: وإنجيل يوحنا بدوره يستعرض يوحنا المعمدان بأسلوبه اللاهوتي الخاص، ومن المتفق عليه بين علماء الكتاب المقدس أن إنجيل يوحنا ليس "تاريخ حياة" بل مجرد تقديم فكري عن يسوع وذلك يغلب عليه الطابع اللاهوتي والفلسفي الماورائي لأقوال يسوع وتعاليمه بل ومعجزاته. فقد جاء في هذا الانجيل: "ظهر إنسان أرسله الله اسمه يوحنا، جاء ليشهد للنور من أجل أن يؤمن الجميع بواسطته. لم يكن هو النور بل شاهدًا للنور، فالنور الحق الذي ينير كل إنسان كان آتيًا إلى العالم".

الأب: تعتقد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية أن يوحنا كان آخر أنبياء العهد القديم، وأنه بمثابة الجسر الذي يربط بين فترة الوحي والعهد الجديد. كما أنهم يقولون أنه عند وفاته، بشر بأن يسوع المسيح سيلحق به. كما يعتقدون أن يوحنا المعمدان وقت موته ظهر لأولئك الذين لم يسمعوا عن السيد المسيح، وبشرهم به. ولا شك ان في ذلك وجهة نظر قوية الحجة اذ انه من بعد يحيى انتهت النبوة في بني اسرائيل ولو كان المسيح عليه السلام من سلالة يهودية الا انه اتى بدين جديد جهد اليهود لمحاربته حتى تآمروا على قتل سيدنا عيسى من اجل ان لا تقوم ثائمة لدينه الجديد.

الأم: لكن لله ما يريد فانهى النبوة في بني اسرائيل وسيكون لنا وقفة مطولة مع سيدنا  عيسى المسيح ابن مريم وما حصل في حياته وما جرى بعد موته. انما في الغد فسنتكلم عن العبد الصالح الملقّب بالخضر.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: