الأحد، 25 ديسمبر 2016

15 قصة سليمان عليه السلام


رمضانيات
الحلقة الخامسة عشرة
سليمان عليه السلام
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

قصة سليمان ابن داود عليه السلام

الأب: سنأتي اليوم على ذكر قصة سيدنا سليمان عليه السلام. وهو ملك ونبي ورسول، أعطاه الله من كل شيء، وسخّر له الجن والشياطين لخدمته، وعلّمه منطق الطير وجعلهم تحت سيطرته، وسخّر له الريح تأتمر بأمره، فصار فوق كل ذلك بطلا اسطوريا ولغزا عجزت الامم عن حلّه حتى يومنا هذا. وهو الذي أورثه والده داود مملكةة  اسرائيل التي اسسها، فنظّمها ووحّد الاسباط.

الأم: كما انه بنى الهيكل الذي زالت معالمه وما زال اليهود ببحثٍ مضنٍ يبحثون عنه في مدينة القدس. وما زالوا يظنون ان انقاضه تحت بناء المسجد الاقصى مما يسبب ازمات ومشاكل متواصلة مع المسلمين في القدس.

الأب: لذلك لا بد لنا هنا بنبذة توضيحية عن حقيقة مملكة اسرائيل التي اسسها داود وكان سليمان آخر ملوكها، وذلك حسب ما ورد في التأريخ الصحيح للأحداث وايضا وفق نصوص التوراة نفسه. فحسب النصوص التوراتية كانت مملكة اسرائيل ممتدة على الجزء الجنوبي الغربي لبلاد الشام، أي منطقة فلسطين، بعد ان جاء يهوذا مع سبطه واقتحم الارض وطرد اهلها من الفلسطينيين. ويصف كتاب الكابالا المخصص لشرح التوراة وغيره من الكتب ملاحم المعارك التي خاضها هؤلاء لطرد الناس من ارضهم. وكانت هذه المملكة وحسب التوراة لا  تشمل فينيقيا والأراضي الساحلية الجنوبية التي ظلت خاضعة لسلطة الفلستينيين خصوصا سواحل حيفا ويافا، وسلطة باقي شعوب ساحل البحر الابيض المتوسط. وهذا يعني ان الارض بالاساس كانت للفلسطينيين الذين جاءهم بنو اسرائيل من اقطار العالم لمحاربتهم وسلبهم ارضهم واقامة مملكة اسرائيل.
وقد قلنا سابقا ان فئة من اليهود قد فسّروا التوراة على غير نواحيه تماما كما دلنا على ذلك القرآن الكريم في معظم الآيات التي تشير الى اليهود وبني اسرائل.
ولكن لمشيئة الله ولسبب لا يعلمه غير الله، استطاعوا ان يندفعوا بايمان ثابت نحو ارض فلسطين ليحققوا حلم الارض المقدّسة التي جهد سيدنا موسى لايصالهم اليها.

الأم: ولكن نحن نعلم وهم ايضا انهم تاهوا في الصحراء لا يعرفون كيف يصلوا اليها، ومات موسى ولم يشأ الله له لن يدخل اليها. ولم يدركوا او ادركوا وانكروا ان في ذلك حكمة من رب العالمين؟
فأجمعوا بعد موسى امرهم وقرروا ان يقتحموا الارض ويغزوها لنصرة الانبياء الذين خذلهم بنو اسرائيل عندما ارسلهم الله اليهم. فلم يؤمنوا بهم وتآمروا على قتلهم وآخر دليل انهم خذلوا موسى عندما اوصلهم فقالوا له اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون.

الأب: سماها باحثو التوراة بمملكة إسرائيل الموحدة للتفريق بينها وبين مملكة إسرائيل التي انفصلت عنها لاحقاً، إضافةً إلى مملكة يهوذا. هذه المملكة الموحدة حكمها كل من شاول، وداود وسليمان، وتوصف هذه المملكة في سفري صموئيل الأول والثاني كاتحاد لأسباط بني إسرائيل.
اسم "مملكة إسرائيل الموحدة" ليس له علاقة بدولة إسرائيل حاليا. غير أن اليهود المعاصرين يؤمنون أنهم أبناء مملكة يهوذا الجنوبية التي انفصلت حسب الرواية التناخية عن مملكة إسرائيل الموحدة، ويرى معظمهم الأحداث التي جرت على هذه المملكة المفترضة كجزء من تاريخ اتباع الديانة اليهودية واساس دولة إسرائيل الحالية التي يفترض بزعمهم أن تكون دولة اتباع الديانة اليهودية، كما يتم تدريس ذلك في مناهجهم الدراسية. وهذا هو أحد أسباب اختيار اسم "إسرائيل" للدولة اليهودية عند تأسيسها عام 1948.

الأم: وما يجري الآن بين اسرائيل وفلسطين ما هو الا امتدادا لم جرى منذ التاريخ والذي اراده الله ان يجري لسبب وحكمة لا يعرفهما غيره تعالى. ونحن لا نستطيع الا ان ندعو الله ونرجوه ان يحقن الدماء ويهديء النفوس ويهدي الى الصواب ويرجع الحق الى اصحابه.

الجميع: آمين يا رب العالمين
الأم: اذن هو سليمان بن داود الذي ورث عنه النبوة والملك، وعلمه الله منطق الطير والحيوان (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).

الابنة: يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما تتخاطب به الطيور بلغاتها؟

الأم: أجل وكان يتكلم هو ايضا لغتهم، ويحكى ان سيدنا سليمان مرّ بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: تزوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت. قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.

الابن: وكيف سخّر له الجن؟

الاب: كانت الجن والشياطين يعملون بين يديه، ويطيعونه في كل شيء وهم الذين كانوا يشيّدون له القصور وبنوا له الهيكل، وكانوا يغوصون في البحار فيجلبوا له الكنوز والخيرات.

الابنة: وما السر في ذلك ان خصص الله له كل هذه الامور؟

الأب: سبحان الله يفعل ما يشاء. ولكنه آتى  سليمان عليه السلام من كل شيء، ويجوز ان يكون السبب انه قد استجاب لدعائه يوم دعاه ان يأتيه حكما وملكا لم يكن لاحد من قبله ولا ينبغي لاحد من بعده. والله أعلم. (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).

الأم: لذلك قال (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين، والعلوم والفهوم.

الأب: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي انهم كلهم كانوا جنودا من جنود جيشه العظيم.

الابن: وكيف يوزعون؟

الأب: أي توزيع الوظائف والمهام على الجنود والطير والجن. كل فئة لها عمل تقوم به. وفي هذا المقام كانت الطيور كشّافة، يقومون بالكشف والاستطلاع، ويحضرون أمام سيدنا سليمان لتقديم تقاريرهم اليومية، كما هي عادة الجنود مع الملوك. وللتأكيد يقص القرآن الكريم علينا قصة سيدنا سليمان مع الهدهد. فقد وجد يوما ان الهدهد لم يكن موجودا في صف الحضور (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)، فغضب وأقسم انه سيعذبه ان لم يأت بعذر مقبول في شأن تخلفه، (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ). أي بخبرٍ مقنعه عن غيابه. وقف الهدهد بعيدا من سليمان خوفا من بطشه، وأخبره انه كان يقوم بجولته فرأى مدينة سبأ تحكمها ملكة جميلة وذكية ولها سلطة ولكنهم قوم يعبدون الشمس دون الله الواحد. (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) أي بخبر صادق.

الأم: كانت مملكة سبأ تحكمها ملكة اسمها بلقيس، وكان عرشها مزخرفاً بأنواع الجواهر، والآلي، والذهب، والحلي الباهر. والله أعلم. فلما عرف سليمان من الهدهد خبر سبأ، بعث معه كتابه اليهم يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله، والخضوع لملكه وسلطانه، بدأه ببسم الله الرحمن الرحيم (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) أي لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي وأقدموا علي سامعين مطيعين، بلا معاودة ولا مراودة. فرحل الهدهد حاملا الكتاب وألقاه إليها، ووقف ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها. فجمعت أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها. (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) ثم قرأت عليهم عنوانه أولاً: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) ثم قرأته (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).

الابنة: ما أوجز هذا الكتاب وما أبلغ مضمونه.

الأب: صحيح. لقد كان الكتاب بمثابة نصيحة وامر من سليمان. قرأته الملكة وفهمت مضمونه لكنها شاورت قومها بشأن الرد على الكتاب وما يجب عمله (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)  هنا وكأن الله يريد ان يعلمنا ان هذه الملكة ليست مستبدة بل عاقلة وتزن الامور وتشاور الناس.

الابنة: ديمقراطية...

الأب: صح مثال الديمقراطية الا ان قومها كانوا مغرورين بقوتهم وسلطانهم فأعلموها انهم مستعدون لمواجهة سليمان لكن فوضوا لها اخذ القرار. (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وهنا تشير الملكة الى احتمال الهزيمة امام سليمان، وتحذرهم انه في حال الهزيمة سيقعون تحت بطش سليمان اذلاء ضعفاء. واقترحت أن تجس نبض سليمان بارسالها الهدايا له اشارة الى نواياها السلمية، فترى ماذا يكون رد فعله.

الأم: فلما وصلت الهدايا الى سليمان انكرها وغضب وقال ان ما اعطاه الله من عطايا خير واعظم
وقال لرسولها (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ). فلما بلغهم ذلك، بادروا إلى إجابته، وأعلموه أنهم سيأتون اليه مع ملكتهم سامعين، مطيعين، خاضعين. فلما سمع بقدومهم قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان، ما قصَّه الله عنه في القرآن. (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).

الأب: لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس قبل قدومها عليه (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ) يعني قبل أن ينقضي مجلس حكمك. وكان فيما يقال ان سيدنا سليمان كان يجلس فس مجلس الحكم من أول النهار إلى قريب الزوال، يتصدى لمهمات بني إسرائيل، وما لهم من الأشغال (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) أي وإني لذو قدرة على إحضاره إليك، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك.

الأم: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ). وهو آصف بن برخيا، والله اعلم، وهو ابن خالة سليمان، وقيل هو رجل من الجان المؤمنين، يقال والله اعلم انه يحفظ سر الاسم الأعظم لرب العالمين الذي ان دُعي به اجابه الله فورا. وقيل هو رجل من بني إسرائيل من علمائهم، وقد قيل فيه قول رابع وهو انه جبريل. والله اعلم من هو. (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك) أي قبل أن تطبق جفنك بمعنى رفة العين والله اعلم. وفجأة وجد سليمان العرس قد صار أمامه. (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ) في طرفة عين (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ). ولمّا جاءت ونظرت عرشها قالت لسليمان كأنه عرشي. ولمّا علمت وايقنت انه عرشها آمن بالله وبسليمان وتركت عبادة الشمس.

الابنة: وما حكاية صرح الزجاج؟

الأم: كان في دار سليمان صرحا من زجاج بلّور، فطلب منها سليمان ان تفترب منه وطان لا بد ان تمشي من فوق الصرح لتصل اليه. (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي حسبته ماء فرفعت ثوبها كي لا يبتّل بالماء فكشفت عن ساقيها. ويقال ان سيدنا سليمان كان قد سمع ان ساقيها فيهما شعر كثيف، فأراد ان يتأكد من ذلك بهذه الحيلة، حيث رفعت ردائها وكشفت عن ساقيها والله أعلم.
ويقال انها اول امرأة قامت بتنظيف ساقيها وابطيها من الشعر والله اعلم. وقد قيل انه لما تزوجها سليمان أقرّها على مملكة اليمن حيث كانت تملك، وكان يزورها في كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين، وبيتون. وقيل أنه لم يتزوجها، بل زوّجها بملك همدان، وأقرّها على ملك اليمن، وسخّر زوبعة ملك جن اليمن، فبنى لها القصور تلك والله أعلم.

الأب: وكما كانت تعرض عليه الطيور كانت تعرض عليه ايضا الحيوانات ومنها اجمل الجياد. وكان مغرما بالخيل. فلما عرضت عليه ذات يوم انشغل بها عن عبادة الله وبعد ان وزّعها لمهماتها فطن انه انشغل بها عن عبادته فأمر ان ترد الخيل اليه فاعمل سيفه في اعناقها جتى لا تلهيه مرة اخرى وتشغله عن عبادة الله. (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ، فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) والخيول الصافنات، هي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة.

الأم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالاً ثلاثاً، فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها".
ودليل حكمة سيدنا سليمان ما قصّه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما، فتنازعتا في الآخر. فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك. وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه. فقالت الصغرى وهي ام الصبي خوفا على ابنها: لا تفعل يرحمك الله فقال سليمان عليه السلام، هو ابنها فقضى به لها". أي عرف انها ام الصبي لانها لم تستطع تحمّل مشقّة قتله بينما الثانية سكتت عن ذلك. وهذا ايضا برهان من الرسول صلى الله عليه وسلم على ما وهب الله سليمان من علم وحكمة.

الابن: الله أكبر ما هذه الحكمة

الأب: أجل سبحان الله اعطاه الحكمة وآتاه من كل شيء كما اعطاه ملكا لم يعطه لاحد قبله ولا ينبغي لاحد بعده كما سأله. (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ). قيل انه لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله، عوضه الله أن سخّر له الريح ، تجري بأمره (حَيْثُ أَصَابَ) أي حيث أراد من أي البلاد. وكانت تنقله الريح على بساط له إذا أراد سفراً أو مستنزهاً، أو قتال ملك، أو أعداء من أي بلاد الله شاء باسرع من الوقت فكان يحمل معه عليه كل ما يريد من جنود وعتاد وخيول وما يلزمه من عتاد واسلحة في حروبه. بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس، فتغدو به الريح فتضعه مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس. وكان عليه السلام يغدو من دمشق، فينزل بمدينة تدعى اصطخر فيتغدى بها، ويذهب رائحاً منها، فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر. والله اعلموقيل أن مدينة اصطخر وهي مدينة جنوب ايران قد بنتها الجان لسليمان وفيها مسجد يعرف بمسجد سليمان، وكان فيها قرار مملكة العجم قديماً، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر، وبيت المقدس، وباب جبرون، وباب البريد، اللذان بدمشق على أحد الأقوال.

الابن: كأن هذا البساط مثل الطائرة ناقلة الجنود؟

الأب: أجل، كذلك تماما. وهذا يدلّنا على ان الانسان استعمل هذا النوع من المركبات الطائرة منذ آلاف السنين. بل يدلّنا ايضا على شيء آخر مهم، وهو ان كل العلم الذي عندنا اليوم بدأه الله في انبيائه ورسله منذ آدم الذي علّمه اسماء كل شيء، الى ادريس الذي كان هرمس الهرامسة وبدأ نواة كل العلوم، الى نوح الذي بنى السفينة تمخر البحار، الى هود وصالح الذين تحدّثوا عن العوامل الطبيعية، وعلم الموجات الصوتية والآن نرى المركبات الطائرة في عهد سيدنا سليمان.

الأم: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ). كان الشياطين يعملون ليل نهار في خدمته يبنون له القصور والدور ويغطسون لجلب جواهر البحار، وهنالك ايضا شياطينا مكبلين مقيدين بالقيود، يبدوا انه كان لهم وظائف أخرى والله أعلم.

الابنة: ما معنى امنن او امسك؟

الأم: يعني ان الله يقول له المال مالك فأعطي منه من تريد ان تعطيه او أمسك عن صرفه وادّخره، هو مالك وانت حر به. (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) أي وسخر الله له من الجن عمالاً يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته. ومن يخرج عن الطاعة أن يهمل في عمله أو يتمرد على طاعة الله في سليمان يلقى فورا في جهنم ويلقى عذاب نارها. وكان الجن والشياطين يتفنون في بناء قاعات المجالس التي هي المحاريب من المحراب الذي يكون في المساجد. (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) وهي الأماكن الحسنة، وصدور المجالس (وَتَمَاثِيلَ) وهي الصور في الجدران، (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) أي احواض تجبي الماء وتحفظه.

الأب: وقد قيل والله اعلم أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة وكان يطيق التمتع بهن جميعا. وروي أنه قال لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان. والله أعلم. قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو قال إن شاء الله لولدت كل امرأة منهن غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. وكان له عليه السلام من أمور الملك، واتساع الدولة، وكثرة الجنود وتنوعها، ما لم يكن لأحد قبله، ولا يعطيه الله أحداً بعده كما قال: (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ). ولمّا جاء اجله وحان موعده للقاء ربه قال الله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) أي انه لمّا توفّاه الله كان جالسا على عرشه، متكئا على عصاه، يراقب اعمال الذين سخّرهم الله لخدمته. ولم يدر احد حتى ولا من الجان انه قد توفي وذلك لفترة من الزمن، حتى أكلت دابة الخشب عصاه فهوى وسقط على الارض، فيخبرنا الله انه لو كانت الجن تعلم الغيب لعرفوا بوفاته ساعة مات.

الأم: يقال ان سليمان عليه السلام وجد صباح وفاته شجرة نبتت في حديقة قصره لم يعرف نوعها ولم تكن موجودة من قبل فسألها عن اسمها وماذا تكون.  فقالت الشجرة: أنا الخروبة. فقال: ولأي شيء نبتّ؟ فقالت: نبت لخراب هذا المسجد أي بيت المقدس. والله اعلمفقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، فأنت التي على وجهك هلاكي، وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه فمات، ولم تعلم به الشياطين بموته الا بعد ان اكلت السوسة عصاة وسقط ارضا. فمكثوا يعملون له من بعد موته حولاً كاملاً، والله اعلم، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

الأب: وحسب التوراة كان هيكل سليمان في أورشليم القدس هو مركز العبادة اليهودية، ورمز تاريخ اليهود، وموضع فخارهم وزهوهم. وقد شيده الملك سليمان وأنفق ببذخ عظيم على بنائه وزخرفته. ويقال انه احتاج في بنائه إلى أكثر من 180 ألف عامل.  وقد أتى له سليمان بالذهب من ترشيش، وبالخشب من لبنان، وبالأحجار الكريمة من اليمن، ثم بعد سبع سنوات من العمل المتواصل تكامل بناء الهيكل، فكان آية من آيات الدنيا في ذلك الزمان. وكان مكونا من ساحتين خارجية وداخلية، وكانت تحيط بالساحة الداخلية أروقة شامخة تقوم على أعمدة مزدوجة من الرخام، وتغطيها سقوف من خشب الأرز الثمين. وكانت الأروقة القائمة في الجهة الجنوبية من الهيكل ترتكز على 162 عمودا، كل منها من الضخامة بحيث لا يمكن لأقل من ثلاثة رجال متشابكي الأذرع أن يحيطوا بدائرته. وكان للساحة الخارجية من الهيكل تسع بوابات ضخمة مغطاة بالذهب.. وبوابة عاشرة مصبوبة كلها نحاسا على الرغم من حجمها الهائل. وقد تدلت فوق تلك البوابات كلها زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب الخالص، وقد استمرت هدايا الملوك للهيكل حتى آخر زمانه، فكان يزخر بالكنوز التي لا تقدر بثمن.

الأم: عاش سليمان وسط مجد دانت له فيه الأرض.. ثم قدر الله تعالى عليه الموت فمات.. ومثلما كانت حياة سليمان قمة في المجد الذي يمتلئ بالعجائب والخوارق.. كان موته آية من آيات الله تمتلئ بالعجائب والخوارق.. وهكذا جاء موته منسجما مع حياته، متسقا مع مجده، جاء نهاية فريدة لحياة فريدة وحافلة. فقد قدر الله تعالى أن يكون موت سليمان عليه الصلاة والسلام بشكل ينسف فكرة معرفة الجن للغيب.. تلك الفكرة التي فتن الناس بها فاستقرت في أذهان بعض البشر والجن.
فتبين أنهم لا يعلمون الغيب. فلو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين  يعملون وهم يظنون أن سليمان حي، بينما هو ميت منذ فترة..

الأب: سنكتفي الليلة بهذا القدر من سيرة سليمان عليه السلام ولنا لقاء غدا انشاء الله مع قصة اخرى.


سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: