الأحد، 25 ديسمبر 2016

12 قصة أيوب عليه السلام

رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الثانية عشرة
أيوب عليه السلام

اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

 قصة نبي الله أيوب

الأب: قلنا بالامس ان شعيبا كان نبيا رسولا الى اهل مدين، وكان خطيب الانبياء لفصاحة لسانه وبلاغة عبارته، ولكنه كان فقيرا متواضعا، عاش حياته في طاعة الله ومحبته ومات على ذلك.

الأم: أما ايوب عليه السلام فكان رجلا كثير المال والانعام، وله عبيد ومواشي واراضي واسعة. ولحكمة ارادها الله بدأ رزقه يقل يوما بعد يوم، وتجارته تكسد، وامواله تنضب، حتى شح ذلك كله، ثم مات اولاده، ثم ابتلي بمرض عضال، طاول كل جسده، وهو صابر لا يتأفف ولا يمل، بل يذكر الله ليلا ونهارا، ويعترف ويقر امام الناس وامام الله ان كل بلائه بسبب ما اذنب بحق ربه.

الابن: وما كان الذنب الذي اقترفه؟

الأب: لقد ظنّ أيوب انه اغتر بماله وجاهه ونسي فضل الله عليه وانه لولا الله لما كان له كل هذا المال والذهب والعز والسلطان.

الابن: ولماذا لم يدع الله ليخفف عذابه؟

الأم: لانه كان مقتنعا بأنه يستأهل هذا العذاب.

الأب: وطال المرض على ايوب، وعافه الناس، واخرجوه من البلدة، لان رائحة جسده قد صارت كريهه لم يقدر الناس ان يتحملوها، وخافوا ان يكون مرضه معديا،  فرموه امام مزبلة خارج المدينة.

الابنة: يا حرام ... وكيف يرضى الله بذلك في عبده؟

الأم: لأن الله له في ذلك حكمة ... ولا تنسي ان رحمة الله وثوابه دائما تغلب نقمته وعقابه.

الأب: وانقطع الناس عنه وتجنبوه، ولم يبق احد يحنو عليه سوى زوجته، فكانت تتردد عليه وتعتني به وتعينه على قضاء حاجته وتقوم بمصلحته.

الابنة: الله ما اكرم واطيب هذه الزوجة

الأم: انما مال حال الزوجة وقل مالها، حتى انها اضطرت ان تخدم الناس بالاجر لتطعمه، وهي صابرة على ما حل بها من فراق المال والولد وما يختص بها من المصيبة بالزوج وضيق ذات اليد، وخدمة الناس بعد السعادة والنعمة والنعيم. صحيح يا ابنتي هي مثال الزوجة المطيعة المحبة لزوجها مهما جار عليه الزمن.

الأب: وصبر ايوب على هذه الشدة حتى ضرب المثل بصبره. وبدأ لحمه يتساقط عن عظمه، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته فلما طال عليه الوقت قالت له: يا ايوب لو دعوت ربك لفرّج عنك فقال لها عشت هذا العمر صحيحا فهل بقليل ان اصبر له قليلا.

الابن: الله اكبر ما هذا الايمان

الابنة: أي والله يا صبر أيوب.

الأم: ونفر الناس من امرأة أيوب، وما عادوا يستخدمونها خوفا ان تنقل اليهم عدوى او مرض، وهم على دراية انها تخدمه يوميا.

الأب: فلما لم تجد من يستخدمها عمدت فباعت ضفيرة من شعرها بطعام طيب، وكان شعرها جميلا جدا. فأتت بالطعام لايوب فقال لها من اين لك هذا الطعام وانكره، فقالت خدمت به اناسا فلما كان الغد لم تجد ما تبتاع به، فباعت ضفيرةً الاخرى، وجائته بالطعام، فأنكره وحلف ان لا يأكله حتى تخبره بخبر الطعام، فكشفت خمارها ورأى رأسها محلوقة، وكانت تتغاوى بشعرها الجميل.. عند ذلك رفع ايوب راسه الى السماء وقال : (رب اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).

الابنة: هانت عليه نفسه ولم تهن عليه زوجته. ما أنبلك يا سيدنا أيوب

الأم: أجل لم يقدر ان يحتمل رؤية زوجته تتعذب وتُهان أكثر من ذلك.

الأب: فقبل الله دعاء ايوب، وتاب عليه، واوحى له ان يضرب برجله الارض، فانفجرت منها عين ماء اغتسل فيها، فذهب كل المرض عن جسده، وعافاه الله تماما.

الأم: هل آمنتِ يا ابنتي ان ثواب الله يغلب عقابه؟

الأبنة: آمنت يا امّي بالله الرحمن الرحيم

الأم: وردّ اليه ما فقد من مال وأكثر، حتى انه روي ان الذهب كان يصب صبا عليه من السماء والله اعلم. ولكن كما قال الله (وكشفنا ما به من ضر).

الأب: وقال ايضا (وآتيناه اهله ومن معهم) - أي ارجع له امرأته وأولاده وانجبت له اولادا بعددهم، وكل ذلك رحمة من الله وفضلا.

الابن: آه يا ايوب ما اصبرك ويا ربي ورب ايوب ما اكرمك

الأب: صحيح يا بني هكذا قال الله عنه (انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب).

الأم: صدق الله العظيم. فليس في التاريخ من صبر على بلاء كبلاء سيدنا أيوب عليه السلام أو صبر كصبر ايوب، كانت بيده النجاة بمجرد ان يرفع يديه ويطلب من الله ان يشفيه.

الأب: ولكنه ابى وتحمل صابرا من شدة ايمانه. حتى انه يقال انه لم يكن يتطلع الى السماء استحياء من رب العالمين.
  
الابن: يا ألله، ما هذا الولاء لرب العالمين!

الابنة: وهل هو عربي يا أبي؟

الأب: كان أيوب عليه السلام رجلاً من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. وقيل أن أمه بنت لوط عليه السلام. وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه.

الأم: والمشهور أنه من ذرية إبراهيم عند قوله تعالى: (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلاَ هدينا ونوحا هدينا من قبل وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ...). وفي هذه الآية تأكيد من الله جلّ جلاله ان أيوب هو من سلالة ابراهيم عليهما السلام.

الأب: وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ).

الابنة: ما أرحمك يارب، بليته وامتحنته وأجرته لمّا صبر واحتمل وخجل أمامك من ذنبه.

الابن: وكيف ناجى سيدنا أيوب ربه وبأية طريقة.

الأم: انظروا كيف شرح الله دعاء ايوب. هو لم يقل له اشفني، او خفف عني هذا العذاب أو الطف بي أو عافني. فقط قال له يارب لقد مسني الشيطان بمرض وعذاب.(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)

الابنة: هو بذلك القى باللوم كله على الشيطان الذي وسوس له باديء الامر وتسبب بكل هذا العذاب له. فعلا انها توبة فريدة ارادها الله لايوب ربما ليحفظ له ماء وجهه ويرد كرامته؟

الأب: صحيح يا ابنتي غالبا هذا هو الامر الذي عناه رب العالمين والذي الهم ايوب ان ينطق به. فما كان من الله العلي القدير الا ان أمره فورا بأن يضرب برجله الارض لتنبع مياه الشفاء منها. (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فاغتسل منها وبريء من مرضه وشفي تماما.

الأم: ولم يكتف الله عز وجل بأن شفاه بل رد له اهله ضعفين (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) رحمة من الله وجزاء له على صبره وايمانه.

الأب: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). وقد كان أيوب قد حلف في مرضه ان يضرب زوجته اذا شفاه الله بعد ان غضب منها في شيء لم يردها أن تفعله فاضطرت لفعله. فأمره الله أن يضربها ضربا خفيفا بباقة من الاعشاب كي لا يخلف بقسمه. وذلك لأن أيوب عليه السلام أولا وأخيرا انسان له أحاسيس ومشاعر ويصيب ويخطيء.

الابن: وما كانت هذه الفعلة التي جعلت سيدنا أيوب يغضب عليها؟

الأب: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ) يقال لبيعها ضفائرها. وقيل: لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب، فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربها مائة سوط والله اعلم .

الأم: فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً، وهو ضمة من فسخ جريد النخل ويضربها به ضربة واحدة غير شديدة، كمخرجٍ حتى لا يحنث بنذره.

الابن: يا الله ..... كم هو مهم عند الله عدم الحنث باليمين والايفاء بالنذر.

الأب: اجل يا صديقي لأن الانسان اذا صدق كان مركزه امام الناس افضل وشخصيته أحب والتعامل معه مأمون. اما اذا كذب يبتعد عنه الناس ويصغر في نظرهم وينفرون من التعامل معه. لذلك لعن الله الكذب والكاذبين.

الأم: كان لأيوب أخوان اثنان، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من كريه رائحته، فقاما بعيدا منه، وقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط. ثم قال: اللهم بعزتك وخرّ ساجداً، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.

الأب: يقال انه لما شفي أيوب عليه السلام ألبسه الله حلة من الجنة فجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه وسألته ماذا حل بايوب. قال: ولعل أنا أيوب. قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال: ويحك أنا أيوب، قد رد الله عليّ جسدي ووعدني برد مالي وولدي وأعياني ومثلهم معهم.

الإبنة: لقد قرأت أن أيوب كان رجلاً كثير المال والأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة بأرض البثينة من أرض حوران. وكان له أولاد وأهلون كثي.

الأب: أجل يا ابنتي. أيوب عليه السلام كان يعيش فى منطقة حوران وكان ملاذًا وملجأ للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه أنه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئًا و لا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، و بلغ من كرمه عليه السلام أنه لا يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا.

الأم: وكان يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم أما أبناؤه فكانوا يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضى والحقول وكان يشكر الله .. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر.

الأب: الى ان راح الشيطان يوسوس للناس إن أيوب يعبد الله لأنه أعطاه هذا الخير العميم والفضل الكثير من البنين والبنات والأموال من قطعان الماشية والأراضى الخصبة .. فأيوب يعبد الله خوفاً على أمواله . ولو كان فقيرًا ما عبد الله ولا سجد له

الأم: ووجد الشيطان من يسمع له ويصغي لوساوسه .. وتغيرّت نظرة الناس إلى أيوب وأصبحوا يقولون إن أيوب لو تعرض لأدنى مصيبة لترك ما هو فيه من الطاعة والإنفاق فى سبيل الله .. ألا ترون كثرة أولاده وكثرة أمواله وكثرة أراضيه المثمرة ، فلو نزع الله منه هذه الأشياء لترك عبادة الله بل سينسى الله

الأب: ورويدًا رويدًا تحول أهل حوران إلى ناقمين على أيوب عليه السلام بعدما كانوا يحبونه حباً جماً .. وأصبحوا يرون أيوب عليه السلام من بعيد فيتحدثون عنه بصورة مؤذية ثم بدأت المحنة والابتلاء من الله تعالى.

الأم: اذ جاء أحد العمال ذات يوم الى ايوب يستنجد ويقول له ان رفاقه الرعاة والفلاحين قتلوا جميعا على ايدي لصوص هاجموهم ثم سرقوا كل الماشية.

الأب: أخذ أيوب يردد : إنا لله وإنّا إليهِ راجِعون. لقد شاء الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب .. وأراد أن يبين للناس أن أيوبا عليه السلام رجل صابر محتسب ولا يعبده لأنه في غنى وعافية.

الأم: وفي اليوم التالي نزلت الصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لأيوب واحرقت كل الزرع وقضت على كل العاملين في الارض. فقالت زوجته: ما هذه المصائب المتتالية ؟! قال لها اصبري فهذه مشيئة الله! قالت متعجبة وكيف تكون هذه المصائب مشيئة الله!! قال أجل .. لقد حان وقت الامتحان .. ما من نبيٍّ إلاّ وامْتحنَ الله قلبه.

الأب: نظر أيوب عليه السلام إلى السماء وقال بضراعة: الهي امنحني الصبر. وفي ذلك اليوم أمر أيوب عليه السلام الخدم والعبيد بمغادرة منزله .. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عمل آخر
وفى اليوم التالى اجتمعوا فى دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعاً

الأم: وازدادت محنة أيوب عليه السلام أكثر وأكثر فلقد اُبتلى فى صحته وانتشرت الدمامل فى جسمه وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميل ولم يبق معه سوى زوجته الطيّبة
وأصبح منزله خالياً لا مال له ولا ولد ولا صحة ولكنه ظل يقول لزوجته أن هذه مشيئة الله ويدعوها ويحثها على الصبر.

الأب: هنا حاول الشيطان أن ينال من قلب أيوب عليه السلام ، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب الا انه كان لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة حتى يَئِس الشيطان من أيوب وزوجته الصابرين المحتسبين فاتجه إلى أهل حوران ينفث فيهم الوساوس حتى جعلهم يعتقدون أن أيوب عليه السلام أذنب ذنباً كبيراً فحلّت عليه اللعنة.

الأم: ونسج الناسُ الحكايات والقصص حول أيوب .. وتطور الأمرُ أكثر حتى ظنوا أن في بقائه خطرًا عليهم فاخرجوه من الفرية بعيداً عنهم.

الأب: حاول أيوب أن يُفْهِمَ الناس أن هذا ابتلاء من الله، وأن الله يبتلي الأنبياء ابتلاءات شديدة حتى يكونوا مثلاً ونموذجًا لتعليم الناس فقالوا له: ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك. وكانوا يظنّون أن اللعنة قد حلّت به، فخافوا أن تشملهم أيضاً

الأم: تركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف والمرض .. لم يبق معه سوى زوجته الوفية .. وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة الأنبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً

الأب: ضاقت الأحوالُ فمات الولدُ وجفَّ الخيرُ وتصالحت الأمراض والبلايا على جسمه ، فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه وخرجت زوجته لتعمل في بيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما. وكانت تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . وقد أعدت لأيوب عليه السلام عريشًا فى الصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهما غير ذلك وظل الحال على ذلك أعواما عديدة وهما صابرين محتسبين.
الأم: وعندما نظر أيوب عليه السلام للمرة الاولى الى السماء بعد بلائه ومرضه، متهما الشيطان انه سبب علته وبلائه وعذابه (يا رب لقد مسني الشّيطان بنصبٍ وعذاب) الذي هو فيه خجل أن يطلب من الله أن يشفيه بل اكتفى بقوله (إنّي مَسَّني الضر وأنت ارحم الراحمين).

الأب: وهنا .... أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول: نعْمَ العبد أنتَ يا أيوب إنّ الله يقرِؤك السّلام ويقول: لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين. اضرب برجلك الأرض واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله.

الأم: غاب الملاك ، وشعر أيوب بالنّور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق .... ارتوى أيوب عليه السلام من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً.

الأب: وبينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرَادٍ من ذهب فجعل يحثي في ثوبه . فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك. قال أما شبعت؟ قال ومن يشبع من رحمتك يا ربي؟

الأم: عادت الصحة والعافية .. عاد المال .. ودبّت الحياة من جديد وعادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحة وعافية . فقالت له باستعطاف:
ألم ترَ أيوب . . أيوب نبي الله ؟! قال لها أنا أيوب قد شفاني الله من المرض ورد عافيتي سبحانه بيده الخير انه على كل شيء قدير. ثم أمرها أن تغتسل من النبع ، لكي تعود إليها نضارتها وشبابها فاغتسلت في مياه النبع فألبسها الله ثوب الشباب والعافية ورزقهما الله بنينا وبنات من جديد. وأخلف الله له أهله كما قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)

الأب: وقوله تعالى (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) أي: رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به، ورأفة وإحساناً. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وكأن الله يريد ان يذكرنا ان في كل قصة يرويها لنا عبرة لنا. خصوصا ان ايوب عاش بعد ذلك بأرض الروم يعبد الله ويدعو قومه ان يعبدوه ويوحدّوه ويعظهم ويحبب لهم التقوى وينهاههم عن الكفر والاشراك بالله. ( .... فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )

الأم: وقد روي والله أعلم أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقّاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء.
وسيكون لنا غدا انشاء الله موعدا آخر مع نبي آخر. اللهم عافنا واعفو عنّا

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: