الأحد، 25 ديسمبر 2016

29 قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه


رمضانيات
الحلقة 29
عثمان بن عفّان
رضي الله عنه

حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

عثمان بن عفان رضي الله عنه

الأب: سيدنا عثمان بن عفان الأموي القرشي ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. لقّب بذي النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات الرسول: رقية ثم بعد وفاتها أم كلثوم. ويلتقي نسبه بنسب الرسول صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

الأم: أمه الصحابية الجليلة أروى بنت كريز وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول.

الأب: ولد سيدنا عثمان بمكة، وكان والده من اغنياء قريش، وابن عم أبي سفيان بن حرب الذي حارب الرسول وآذاه قبل أن يسلم عند فتح مكة. شبّ عثمان كريما جوادا وكان يُعد من كبار الأثرياء. أسلم وكان عمره قد تجاوز الثلاثين. وهو أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة.

الأم: تزوج عثمان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت معه إلى الحبشة وإلى المدينة وكان يقال‏:‏ "أحسن زوجين رآهما إنسان رقية وعثمان". ثم إنها مرضت أثناء غزوة بدر فلم يشهد عثمان رضي الله عنه غزوة بدر لتمريضه رقية فبشره رسول الله أن له أجر رجل شهد بدراً وسهمه. ولما ماتت رقية حزن عليها حزناً شديداً فزوّجه الرسول من أختها أم كلثوم لذلك لقّب بـ "ذي النورين" لأنه تزوج من بنتي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.

الأب: استخلفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع وإلى غطفان، وكان محبوباً من قريش، وكان حليمًا، رقيق العواطف، كثير الإحسان‏.‏ وكانت العلاقة بينه وبين أبي بكر وعمر وعليّ على أحسن ما يرام، ولم يكن من الخطباء، وكان أعلم الصحابة بالمناسك، حافظاً للقرآن.

الأم: كان عثمان من كبار ممولين جيوش المسلمين للغزوات في عهد الرسول وكان ينفق على عدتها وعتادها من ماله الخاص وبسخاء. واشترى بئر رومة بعشرين ألف درهم من رجل من بني غفار وجعلها للمسلمين. وكان رسول الله قد قال: "من حفر بئر رومة فله الجنة". وساهم في تطوير بناء مسجد الرسول في المدينة، فبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج.

الأب: ارسله الرسول الى قريش عندما كان في طريقه الى مكة مع المسلمين لاداء العمرة وقال له: «"أخبرهم أنّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً.» ولكن قريشا احتبست عثمان وتأخر في الرجوع إلى المسلمين، فخاف النبي عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعة، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، وسميت بيعة الرضوان. لكنه عاد وقابلهم في الحديدبة حيث عقد رسول الله صلحا مع قريش على ان يحج في العام المقبل.

الأم: كان شأنه شأن كثير من الصحابة المبشرين بالجنة، حيث رفض الخليفان أن يكون لهم دور مع الجيوش لحاجتهما مشورة كبار الصحابة في المدينة ومنهم عثمان بن عفان. لكن كان له دورا في اختيار عمر بن الخطاب خليفة لأبي بكر الصديق عندما استشاره أبو بكر في أمر تولية عمر فقال عثمان: ذلك رجل سره أفضل من علانيته، وقد كتب وصية أبي بكر في ذلك بنفسه.

الأب: لما وُلّي عثمان الخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب كان عمره 68 عامًا. اذ عندما طعن عمر بن الخطاب دعا ستة أشخاص من الصحابة وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ليختاروا من بينهم خليفة. وذهب المدعوون إلى لقاء عمر إلا طلحة بن عبيد الله فقد كان في سفر وأوصاهم باختيار خليفة من بينهم في مدة أقصاها ثلاثة أيام من وفاته حرصاً على وحدة المسلمين. فبدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب، وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، وبعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وبعد التشاور مع علي وقف عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر وبايع عثمان بن عفان ثم بايعه علي بن أبي طالب والمسلمون في 3 محرم سنة 24 هـ.

الأم: توفرت في سيدنا عثمان بن عفان الصفات القيادية التي مكنته من تطوير الترسانة العسكرية الإسلامية لتضم أول أسطول حربي مقاتل فخاض اول معركة بحرية وانتصر فيها فسميت معركة ذات الصواري. ويأخذ البعض على سيدنا عثمان ان القرابة الأموية استغلت طيبته فولى الكثير من أقاربه على الأمصار وتجاهل الصحابة الأحق. وينكر البعض الآخر أن يكون عثمان ولى أقاربه من بني أمية ويقولون أن هؤلاء الولاة ولاهم عمر بن الخطاب في عهده.

الأب: من أهم أعمال عثمان فتح مرو وتركيا وتوسيع الدولة الإسلامية حتى بلغت أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وتمت في عهده توسعة المسجد النبوي. وطوّر الأسطول البحري الإسلامي لحماية شواطئ الدولة من هجمات البيزنطيين. أما أهم إنجازاته فكان جمع القرآن الكريم الذي كان قد بدء بجمعه في عهد الخليفة أبي بكر الصديق. وجمع القرآن الكريم في مصحف واحد مكتوب برسمه إلى الوقت الحالي.

الأم: قتل عثمان بن عفان في السنة 35 للهجرة بشكل شنيع. وكان سنه عند قتله اثنان وثمانون عاماً. ودفن بالبقيع. وكان مقتله على يد مجموعة من الساخطين على حكمه. وفتنة مقتله هي أولى الفتن التي وقعت في الدولة الإسلامية، وتعرف كذلك بـالفتنة الأولى، وهي بداية لأحداث جسيمة عُرفت في التاريخ الإسلامي بـالفتنة الكبرى، وتسببت في حدوث اضطرابات واسعة في الدولة الإسلامية طوال خلافة علي بن أبي طالب.

الأب: لم يغير عثمان الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب عند توليه الخلافة وذلك لوصية عمر بان يبقي على ولاته في مناصبهم لمدة سنة بعد وفاته خشية من تغيير مستعجل يضطرب له أمر المسلمين. وكان أغلب هؤلاء ليسوا من قريش، وليس فيهم أحد من عشيرة عمر لأنه كان يختار ولاته على أسس الكفاءة وكان يراقب عماله في أمور الدين والدنيا ولا يتأخر في عزل من ثبت تقصيره. ولم يكد ينتهي العام الأول من خلافة عثمان حتى باشر سلطته في العزل والتوليه. وكانت الولايات تختلف فيما بينها من ناحية الأهمية اختلافا شديدا. فكان لبعضها خطرا سياسيا وإداريا وعسكريا. وهي تلك الولايات البعيدة التي حررت من السيطرة الرومية والفارسية وكانت أربعة : الشام ومصر والكوفة والبصرة. وكانت تلك الولايات الأربع موطن القوة الإسلامية العسكرية. إضافة لذلك فقد كانت ايضا مصدرا لثراء المسلمين وفيها حضارات مستقرة وأراضي خصبة وكان تأتي منها كل غنائم الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب والشمال. وكان الخارجون من المدينة يتوجهون اليها للجهاد والمشاركة في فتوحات المسلمين او للكسب من التجارة والزراعة وغير ذلك.

الأم: لم يلق عثمان بالا للولايات التي لم يكن لها خطر سياسي أو عسكري. وأبقى على عمال عمر في تلك الولايات ولم يغير منهم إلا قليلا. إلا انه سارع في تغيير العمال في الولايات الخطرة فور انتهاء العام الأول من حكمه. فمن أوائل التغييرات السياسية التي قام بها عثمان هو عزل المغيرة عن الكوفة وتولية سعد بن أبي وقاص عليها. وكان هذا التعيين بسبب وصية سابقة لعمر بن الخطاب. إلا أن إماره سعد على الكوفة لم تستمر طويلا. حيث اضطر عثمان إلى عزل سعد اضطرارا. وكان سبب ذلك خلاف بين سعد وبين عبد الله بن مسعود المسؤول عن بيت المال. حيث اقترض سعد من بيت المال وأعطى به على نفسه صكا. فطلب منه عبد الله بن مسعود بعد فترة أن يؤدي دينه فرفض سعد ذلك وطلب منه أن ينتظر حتى يتيسر له المال. الأمر الذي رفضه ابن مسعود فنشب شجار بينهما انتهى لوصول الأمر لعثمان الذي سارع بعزل سعد وولى بدله الوليد بن عقبة.

الابنة: أليس الوليد بن عقبة هو الذي كان غش الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب عليه؟
الأب: هذا صحيح ولذلك لم يكن أهل الكوفة يطمئنون، لأنهم يعتقدون انه كان من المذمومين في عهد رسول الله ونزل ذمه في القران. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وأن هذا الفاسق المقصود هو الوليد. والوليد هو أخ عثمان بن عفان من أمه. وقد تكون هذه القرابة هي التي جعلت الوليد مفضلا على بقية أعلام المسلمين في إمارة أحد اخطر الأمصار وهي الكوفة. استاء أهل الكوفة من تولية الوليد عليهم فهم لم يكونوا يرون فيه الحاكم الكفء ولا صاحب الدين المستقيم. حتى صلى بالناس وهو سكران ،فذهب وفد من أهل الكوفة يشهد على الوليد بمعاقرة الخمر وجاؤوا بخاتمه الذي استلوه من يده وهو سكران دليلا على ذلك. الأمر الذي أثار غضب عثمان وعلي بن أبي طالب وكبار أعيان المدينة فقام بعزل الوليد وأتى به إلى المدينة حيث أقام عليه الحد. ونفذ فيه حكم الجلد الإمام علي.

الأم:  ثم ولّى عثمان سعيد بن العاص على الكوفة فاستقبله أهلها بكل رحابة وكانت الأمور تنبؤ بخير، إلا أن هذا الحال عكّره سعيد بن العاص نفسه، حين قال في خضم جدال طويل مع كبار اهل الكوفة "انما السواد بستان لقريش"، الامر الذي اغضب كبار اهل الكوفة الذين فلم يتاخروا بالرد عليه وقالوا : "انما السواد فيء افاءه الله علينا، ومانصيب قريش منه الا كنصيب غيرها من المسلمين." فغضب صاحب الشرطة لان القوم ردوا ردا غليظا على الأمير. فحدث تشاجر واشتباك بالايدي أدى إلى ضرب صاحب الشرطة واغمائه. فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان بما حدث. فارسل عثمان امره بإخراج الذين ردوا على الأمير ونفيهم إلى الشام عند معاوية الذي اسكنهم في كنيسة واحسن معاملتهم. وظل معاوية يدخل عليهم فيناظرهم ويعظهم ويذكرهم في فضل قريش على العرب فلم يقنعوا له، وردوا عليه قائلين بان الإسلام لايعرف لقريش فضلا غير ان النبي بعث منهم. وان انبعاث النبي من قريش لايبيح لها التحكم في رقاب الناس. كما ان لاحق لقريش بان تمتاز عن بقية العرب فكل الناس في الإسلام سواسية، بل انهم طلبوا منه ان يعتزل الامارة إلى من هو أقدم منه للإسلام عهدا وأكرم منه أبا، وأجدر منه ان يقيم حدود الله.

الأب: شعر معاوية بحنكته ان هؤلاء من الممكن ان يحرضوا اهل الشام عليه. فكتب إلى عثمان يطلب منه ابعادهم عنه واعادتهم إلى الكوفة. فقبل عثمان بذلك. فلم يكادوا يعودون إلى الكوفة حتى اطلقوا لسانهم في سعيد بن العاص وعادت المشحانات بينهم وبينه، فأعاد سعيد الكتابة إلى عثمان يشكو له منهم ويطلب منه ابعادهم عنه. فأمر عثمان بنفيهم مرة أخرى لكن هذه المرة كان النفي إلى الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. الذي اغلظ عليهم بالقول وبالفعل وصار يؤنبهم ويزجرهم ويذلهم. فعندما زاد في اذيتهم أظهروا له الطاعة والقبول بسيادة قريش وتميزهم على العرب. وأرسلوا إلى عثمان مالك بن الحارث الأشتر يبين له طاعتهم فقبل عثمان ذلك، لكنهم ظلوا مقيمين عند عبد الرحمن لكن اقامتهم لم تطل.

الأم: استغل اهل الكوفة خروج سعيد منها فتجمعوا وأقسموا ان لايدخلها سعيد مرة أخرى وكتبوا إلى اصحابهم المنفيين عند عبد الرحمن، ففروا من عبد الرحمن واقبلوا مسرعين حتى دخلوا الكوفة. فكتب زعيم المنفيين العائدين إلى الكوفة كتابا إلى عثمان وطلبوا منه ان يولي عليهم عبد الله بن قيس ابا موسى الاشعري وحذيفة. وان يحبس عنهم وليد وسعيد. فقبل عثمان بولاية أبو موسى مضطرا. وكان أبو موسى يمني من اصحاب النبي ولاه عمر البصرة.

الأب: كانت مصر جبهة مفتوحة إلى أفريقية ولم يقصر واليها عمرو بن العاص في غزوها لفتحها والعودة من غزواته محملا بالغنيمة، إلا أن عثمان سرعان ماقرر كف عمرو بن العاص عن غزو أفريقية، وأرسل جيشا لا يذعن لسلطان الوالي بمصر وانما يتصل بالمدينة متخطيا عمرو بالعاص على غير المالوف.

الابن: ولماذا فعل ذلك؟ هذا غريب جدا

الاب: كان البعض من اقرباء عثمان يطمعون بقيادة الغزوات والفتوحات. وطلب عبد الله بن سعد بن ابي سرح وهو اخ عثمان بالرضاعة من عثمان بقيادة الفتوحات الى افريقية، ووعده بانه لو استطاع فتح أفريقية فله خمس الغنيمة. وقد نجح عبد الله بن ابي سرح في فتح الاراضي الواسعة من أفريقية والمجيء منها بعظيم الغنائم، وماان انتهى من غزوه ولاه عثمان خراج مصر اي المسؤلية المالية للبلاد. تاركا لعمرو بن العاص مسؤليتها العسكرية. وكان لابد من حدوث الاختلاف بين عمرو وعبد الله. فكتب كلاهما إلى عثمان يشكو الاخر، وماكان من عثمان إلى ان عزل عمرو بن العاص عن مصر وسلمَ عبد الله بن ابي سرح امارة مصر كلها.

الابن: لا حول ولا قوة الا بالله. اليس هذا الرجل من الذين اشتدوا على النبي واسرفوا في السخر منه، وقد أرتد بعد إسلامه واعلن كشفه عن زيف نبوة محمد واحل الرسول دمه وكاد يقتله عند فتح مكة لولا شفاعة عثمان له واعلان إسلامه؟

الأم: نعم فهو مشهور انه لم يكن رجل صدق، ولم يكن المسلمين يرضون عنه. ولايوجد شك في كون سيرة عبد الله في مصر قد اصابت اهلها بالسخط عليه. فكان يكلفهم فوق مايطيقون ويتحملون ويتشدد حتى شكوه إلى عثمان. فكتب عثمان له يأمره بالرفق في رعيته فلم يحفل بذلك، وانما عاقب الذين شكوه وضرب منهم رجلا حتى قتله، وبذلك غضب اهل مصر غضبا عظيما وغضب معهم اعيان الإسلام في المدينة.

الابنة: انا ارى يا ابي ان سيدنا عثمان كان يصغي الى اقربائه ويرضيهم على حساب الدولة الاسلامية والمسلمين؟

الاب: لا تظلمي الرجل يا ابنتي فقد كان ينظر الى الامور بنظرة مختلفة، وكان يفعل ما يفعله لحقن دم المسلمين. وربما كان يعرف انه اذا اخذ برأي اقربائه فلا بد ان ينفضح امرهم وينطشفوا امام الناس فيكون له حجة لعزلهم وهذا في الحقيقة ما حصل والله اعلم.

الام: كان معاوية بن ابي سفيان من المقربين لعثمان فهو ابن عمه فلم يقم بتغييره كما فعل مع غيره. بل على العكس حيث ضم إلى سلطته الكبيرة اصلا فلسطين بعد موت حاكمها عبد الرحمن بن علقمة، ويقوم بعزل عمير بن سعد الأنصاري حاكم حمص ويضمها إلى معاوية أيضا. وبذلك اجتمعت عند معاوية الاجناد الاربعة وبسط قوته على بلاد الشام كلها ليصبح ذا سلطة عالية لاينافسه فيها أحد. وقد طال حكم معاوية للشام، فأحبه اهل الشام وأصبح لطول ولايته وحسن تدبيره لامور رعيته أشبه بالملك منه بالوالي. وكان حزم معاوية هو الملجا الذي كان عثمان يلجا اليه إذا اراد تاديب المعارضين له. ويبدو أن معاوية كان حازما حتى على عثمان نفسه. فهو كان يلتقي المنفيين الذين يرسلون اليهم لإصلاحهم، فاذا لم يقدر عليهم طلب من عثمان ان يخرجهم من عنده ولم يكن عثمان يرد له طلب. حيث كان معاوية شديد الخوف على اهل الشام فلم يكن يبقى اي أحد من المعارضين له بها خشية ان ينقلب اهل الشام ضده.

الأب: كان عثمان يرى ان للخليفة الحق في أن يتصرف في الأموال المسلمين حسب مايراه من مصلحة، وانه مادام قد انقطع بحكم الخلافة لتدبير اموال المسلمين، فله ان ياخذ من اموالهم مايسعه ويسع اهله واقاربه ولايرى بذلك خطا. ولم يكن يرى للمسلمين حق في أن يعاقبوه أو حتى ان يراقبوه في تصرفه بالأموال فهو مسئول امام الله وحده.

الابنة: وكيف ذلك يا ابي؟ هل شذّ عن قاعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مال المسلمين للمسلمين وان الرسول مات ولم يكن معه درها فطلب من الذي له دين معه ان يسامحه.

الاب: سبحان الله في تصرفه هذا فقد كانت هذه نظريته فاطلق الخليفة يده في الأموال العامة واطلق يد عماله فيها على هذا النحو، ولم يكن غريبا ان تمتد هذه الايادي حتى إلى اموال الصدقة. لذلك نجد أن مطالب الناس الذين عارضوا هذه السياسة عدم تقديم اموال الفتوحات إلى للذين حاربوا في تلك الفتوحات وانتقدوا اسراف الخليفة في انفاق اموال المسلمين ومقدراتهم. وقد قسموا أنفسهم مجموعات فجاؤوا الخليفو من مصر والكوفة والبصرة. وواجهوا عثمان إلا أنه قابلهم بالحجج وأوضح لهم موقفه فلم يقتنعوا وتظاهروا بالطاعة والرجوع إلى بلادهم.

الام: بكن يرى بعض المؤرخين والباحثين ان القلاقل التي بدأت بحاثة عبد الله بن سبأ لا دليل تاريخي لها وان الرجل نفسه هو مجرد شخصية خيالية لاوجود لها على ارض الواقع وليس هناك اي دليل تاريخي يثبتها. وان "مؤامرة عبد الله بن سبأ" مجرد قصة حبكت بشكل فاشل لإعطاء تفسير لحروب الصحابة بعضهم مع بعض.

الاب: كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه من أكبر المعارضيين للسياسة المالية وكان يتلو قول الله عز وجل: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقوها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم" وقد شكا مروان بن الحكم إلى عثمان من قول أبو ذر، فارسل عثمان اليه من ينهاه فقال أبو ذر:"أينهاني عثمان عن قراءه كتاب الله؟" ولم يتوقف أبو ذر حتى الح في نقده واستنكاره لهذه السياسات حتى امره عثمان بالخروج من المدينة والذهاب إلى معاوية في الشام. وعند وصوله الشام صار ينتقد معاوية اشد الانتقاد لجمعه المال وبناء القصور الفارهة فانتقده بشكل كبير لبناء قصر الخضراء وقال:"ان كنت بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وان كنت بنيتها من مالك فهذا اسراف" وكان يقول: "ويل للاغنياء من الفقراء" حتى أصبح الناس يسمعون له ويتجمعون حوله، فخاف معاوية من أن ينقلب اهل الشام عليه فكتب إلى عثمان يشكو له أبو ذر، فامر عثمان بان يجلبوا له أبو ذر إلى المدينة، فلما بلغ المدينة أصبح يقول" وبشر الاغنياء بمكاو من نار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. وحتى أصبح يطعن بعثمان حتى ضاق به عثمان فنفاه خارج المدينة إلى الربذة فمات هناك غريبا وحيدا حتى عجزت زوجته عن دفنه لولا مرور حجاج من اهل العراق بالصدفة.

الأم: وعندما مات أبو ذر منفيا في الصحراء حزن عليه عمار بن ياسر وأصبح يلوم عثمان، فغضب عثمان وامر بنفيه إلى الربذة كما نفي أبو ذر. فغضب لذلك علي بن ابي طالب فاقبل على عثمان ولامه بنفي أبو ذر وطلب منه ان يترك عمار ويتراجع عن قراره. حتى تشاجرا وكاد ينفيه هو أيضا قائلا له :ما انت بأفضل من عمار وما انت اقل استحقاق للنفي منه" وبعد وساطة المهاجرين ووجهاء المدينة تراجع عن قرار النفي بخصوص عمار وعلي.

الأب: كان طلحة أحد اغنياء المدينة ومن أكبر اعلامها. اختاره عمر ليكون أحد اعضاء المجلس الذي اختاره لينصب الخليفة من بعده. الا انه لم يشارك في اختيار الخليفة، حيث كان مسافرا خارج المدينة عندما توفي عمر فارسلوا له يستعجلوه فاقبل إلى المدينة مسرعا ولكن كانت بيعة عثمان قد تمت. وقد اغضبه ذلك فجلس في داره ولم يبايع عثمان. الا أن المساعي اثمرت بقبول طلحة ومبايعته لعثمان بالخلافة. وكانت هناك علاقات تجارية تربط الطرفين لذا فان الامور استقامت بينهما سريعا. ولكن عندما بدات المعارضة بالاشتداد كان طلحة من المسرعين إليها، ومن المنتقدين لسياسة الحكومة فلما اشتدت الامور على عثمان كان طلحة أحد المشاركين في حصار بيته.

الأم: كانت المعارضة تشتد على عثمان حتى كتب اصحاب الرسول المقيمين في المدينة إلى اصحابهم خارج المدينة بالقدوم إليها لتصحيح ما اعوج من امور الخلافة. فتكاثر الناس واجتمعوا في المدينة سنة 34 هـ، ولاموا عثمان على سياسته ثم كلفوا الامام علي بن ابي طالب ان يدخل على عثمان فيكلمه. فدخل عليه فقام عثمان وخطب بالناس ينذرهم ويحذرهم ولكنه بقى على موقفه. ثم ارسل بعدها يطلب قدوم معاوية وعبد الله بن ابي سرح وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص إلى المدينة للاجتماع بهم. فاستشارهم عند قدومهم في كيفية التعامل مع المعارضة فاشار له معاوية بان يترك التعامل مع المعارضة على عاتق العمال حكام الأقاليم، واشار له سعيد بقتل قادة المعارضة واشار له عبد الله بن ابي سرح بان يرشوهم من المال ليسكتوا، واشار اليه عبد الله بن عامر ان يشغل المسلمين في الحرب والفتوحات الإسلامية. فعمل عثمان براي عبد الله بن عامر.

الأب: وفي عام 35 هـ ثار اهل الكوفة على حاكمهم سعيد كما ذكرنا وطلبوا ان يولى عليهم أبو موسى الاشعري. وظهر للناس بان الثورة هي الطريق الوحيد لتنفيذ مطالبهم. ولم يكن للمصريين حل سوى ان يرسلوا وفدا إلى المدينة يطلبون فيه من عثمان كف عماله عن عن التسلط على رقاب المسلمين ومقدارتهم. فخرجوا يظهرون انهم يريدون العمرة. فارسل لهم عثمان جماعة من المهاجرين والأنصار على راسهم علي بين ابي طالب ومحمد بن مسلمة الأنصاري ليلتقوا بهم في قرية خارج المدينة. فخرج لهم علي ومن معه فوعدهم على لسان عثمان ان ينفذ مطالبهم، وقدم وفد منهم إلى عثمان في داخل المدينة فخطب بهم واثنى عليهم واعطى التوبة واستغفر الله، وبكى وبكى الناس ورضوا بما قطعه عثمان على نفسه من عهود. وغادر وفد المصريين المدينة عائدين إلى ديارهم.

الأم: وما ان عادت وفود المصريين إلى مصر حتى تلقاهم عبد الله بن ابي سرح وقتل رجلا منهم، فخرجوا ثانية الى المدينة فطلب عثمان من علي ان يخرج لهم فابى، وابى كذلك محمد بن مسلمة وقال: لا اكذب الله في السنة مرتين. ويقال انه عندما كان محمد بن ابي بكر ومن معه في الطريق إلى مصر. ارتابوا بامر رجل على بعير فاوقفوه بعد أن شكوا فيه، وظهر انه مبعوث من عثمان إلى والي مصر ويحمل معه كتابا له، ففتحوا الكتاب المختوم وفي الكتاب امرا من الخليفة إلى عبد الله بن ابي سرح يدعوه فيه إلى قتل المعارضين الذين قدموا إلى المدينة. والله اعلم. فرجعوا إلى المدينة وواجهوا بالكتاب فنفى ان يكون هو من كتبه فطالبوه بتسليمهم كاتب الكتاب. وهنا ارتفعت مطالب المعارضين الذين تحولوا إلى ثوار فطالبوا بان يعزل عثمان نفسه وان يولي كبار صحابة المسلمين خليفة جديد بدلا عنه. فرفض عثمان ذلك، وماكان من الثوار الا الاعتصام في المدينة حتى تنفذ مطالبهم، وكانوا خلال ذلك لايضايقون عثمان وكانوا يصلون وراءه.

الاب: كتب عثمان إلى عماله كتابا يدعوهم لنصرته على الثوار، فعلم الثوار بامر الكتاب وزادوا من حصارهم له. فخرج عثمان على المنبر يلعن الثوار فتشاجر القوم بالايدي حتى ضرب عثمان فسقط مغشيا عليه وحمل إلى بيته، وضرب الثوار حصارا على بيته ومنعوه من الخروج منه. حتى بلغ الامر ذروته فاقتحم الثائرون الدار وتشابكوا مع اهله فاصابوا عبد الله بن الزبير بجراحات كثيرة وصرع مروان بن الحكم حتى اعتقدوا انه مات ودخلوا إلى عثمان فقتلوه. في يوم الجمعة 18 من ذى الحجة سنة 35 هـ، ودفن بـالبقيع.

الام: بعد مقتل عثمان بويع علي بن أبي طالب للخلافة بالمدينة المنورة فبايعه أغلب من كان في المدينة من الصحابة والتابعين. ورأى علي تأجيل تنفيذ القصاص حتى تستقر الأمور في المدينة، وكان كثير من الصحابة مع علي في رأيه، ولكن كان هناك مجموعتان يرون رأيًا مخالفًا؛ فكانوا يرون وجوب القصاص الفوري من قتلة عثمان، على رأسهم السيدة عائشة ومعاوية بن ابي سفيان.

الأب: مع كل الاحداث التي جرت ايام ولايته وادت الى مقتله ثم ادى مقتله الى الفتنة الكبرى لاحقا الا انه كان رضي الله عنه شخصا مميزا في بداية حياته وكان على علم بمعارف العرب في الجاهلية ومنها الأنساب والأمثال وأخبار الأيام. وساح في الأرض، فرحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواما غير العرب، فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره. واهتم بتجارته التي ورثها عن والده، ونمت ثروته وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش.

الابنة: ولماذا تصرف هكذا في اواخر ايامه؟

الاب: ربما كبر السن وربما ضغوط الاقارب وربما لامر اراده الله. من يعرف الحقيقة يا ابنتي؟

والى الغد ان شاء الله مع القصة الاخير في هذا الشهر الكريم، قصة امير المؤمنين واما المتقين سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: