رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الرابعة
هود عليه السلام
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
الأب: انتهينا بالأمس أن الشيطان ابى الا أن يعود الى دسائسه ويغوي الناس، فرجع من رجع منهم الى الكفر، خصوصا منهم قوم عاد، الذين ذكرهم الله في القرآن، وهم من العمالقة الجبارين، غرّهم الغرور وظنوا أنهم أسياد الارض لا يقدر أحد عليهم، وكفروا وطغوا واعتدوا..
الأم: فأرسل الله منهم سيدنا هود (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ)، ليحثّهم على الايمان، ويذكّرهم بما أنزل الله من عذاب وطوفان على قوم نوح، فلم ينصتوا له واستمروا في عبادة الاصنام، وسفّهوا هودا وسخروا منه، وتحدّوه أن ينزل بهم من الله ما توعّهدهم فيه (قالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، فغضب منهم، ووعدهم بعذاب من ربهم لا مثيل له.
الأب: فأتبعهم الله لعنة في الدنيا والآخرة، وأرسل عليهم ريحا شديدة باتت تضرب ديارهم ثمانية أيام متتالية، لا تهدأ لحظة واحدة، وتشتد كل لحظة أكثر فأكثر، واشتد المطر مع الريح، وصار الريح والمطر يضربان البشر والحجر، ولا يقعوا على شيء الا دكّوه دكا، ولم ينج غير هود وأهله والذين آمنوا معه. (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ).
الإبنة: وماهي قصة عاد وهود بالتفصيل؟
الأب: إرَم ذات العماد أو مدينة الألف عمود، ورد ذكرها في سورة الفجر في القرآن (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، وقد اعتبرها بعض الباحثين والمؤرخين أنها مدينة في حين اعتبرها البعض الآخر أنها قبيلة من بني عاد، كما قيل انها قبيلة ضربها الله بغضبه لكثرة خطايا أهلها.
الأم: وحسب خبراء الآثار يعتقد أن عمر أنقاض المدينة يعود لنحو 3000 سنة وهي مدينة عربية كانت مفقودة قبل عمليات البحث المستميتة للكشف عنها وقد كانت تُعد من الاساطير. وقد ورد في القرآن الكريم أن سكانها كانوا من العرب البائدة من قبيلة عاد (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)، ويذكر بعض الباحثين أن ملك هذه المدينة كان يدعى شدّاد بن عاد حيث أنه أراد أن يقيم الجنة الموعودة على الأرض، ويقال أن لهذا الملك أخ اسمه شديد بن عاد.
الأب: ولكن في مطلع سنة 1998 تمّ اكتشاف مدينة إرم ذات العماد في منطقة الشصر في صحراء ظفار في سلطنة عمان، ويبعد مكان الإكتشاف مايقارب 150 كيلو متر شمال مدينة صلالة و80 كيلو متر من مدينة ثمريت .
الأم: وجاء ذكر قوم عاد ومدينتهم إرم في سورتين من سور القرآن الكريم سمّيت إحداهما باسم نبيهم هود، وسمّيت الأخري باسم موطنهم الأحقاف (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، وفي عشرات الآيات القرآنية الأخرى التي تضمّها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم .
الأب: وذكر قوم عاد في القرآن الكريم يعتبر من علوم تاريخ الأمم البائدة وهو إعجاز بحد ذاته، وذلك لأن هذه الأمة قد أبيدت إبادة كاملة بعاصفة رملية غير عادية.. طمرتهم وردمت اثارهم حتي أخفت كل أثر لهم من علي وجه الأرض.
الإبن: هل يعني هذا ان الارض ابتلعتهم؟
الأب: يقول الله تعالى في سورة الاحقاف (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ). ويقول في سورة هود (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ). فاعتبرهم المؤرّخون المسلمون من العرب البائدة، لأنّ أثرهم قد انمحى من الوجود. واعتبرهم بعض المؤرخين وعلماء الجيولوجيا أنّ ذكرهم في القرآن الكريم جاء من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس، واعتبرهم البعض الآخر من الأساطير التي لا أصل لها في التاريخ، ثم جاءت الكشوفات الأثرية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين لتعلن عن استكشاف مدينة إرم في صحراء الربع الخالي في ظفار سلطنة عمان وإثبات صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به عن قوم عاد.
الأم: وفي تفسير ماجاء عن قوم عاد في القرآن الكريم نشطت أعداد من المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين، في الكشف عن حقيقة هؤلاء القوم فذكروا أنهم كانوا من العرب البائدة وهو تعبير يضم كثيرا من الأمم التي اندثرت قبل بعث محمد صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، ومنهم قوم عاد وثمود وغيرهم كثير.
الأب: ويستدلّ كل هؤلاء من آيات القرآن الكريم ان مساكن قوم عاد كانت بالأحقاف أي الرمال المائلة أو المتحركة، وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا، والربع الخالي شمالا وعمان شرقا، أي ظفار حاليا. والرمال المتحركة في صحراء الربع الخالي حقيقة لا شك فيها.
الإبنة: هذا يعني ان المنطقة فيها رمال متحركة وهذا دليل كيف ابتلعتهم الارض.
الأم: صحيح. ولكن لا تنسي أن قوم عاد أسسوا مدينة عريقة الى درجة الخيال في تلك المنطقة نفسها، وأشادوا الابنية الشاهقة، وكانت تعرف مدينتهم إرم بمدينة الالف عامود.
الإبن: والله ان هذا لشيء عجيب. وكاّننا نتحدث عن ناطحات سحاب.
الأب: سبحان الله، علّم الانسان ما لم يعلم. ويبدو أن سيدنا ادريس قد جاء بعلم وحضارة لا يستطيع عقلنا الآن تقبّلها، لأننا نؤمن أن الحضارة الحديثة بدأت منذ مائتين أو ثلاثماية سنة فقط.
الإبنة: ولكن يبدو أنها بدأت منذ عهد سيدنا ادريس عليه السلام.
الأم: يجوز، ولكن من المؤكّد أن تلك الحضارة قد اندثرت ورجع الانسان الى بدائيات الحياة الاجتماعية في مثل ذلك الوقت بدليل الكوارث التي وصفها لنا القرآن الكريم مثل الفيضان في عهد نوح وابادة مدن عاد وثمود وغيرهما من الحضارات البائدة.
الأب: تروي الروايات التاريخية والاسطورية أن مدينة إرم ذات العماد كانت من بناء شداد بن عاد وانطمرت بالرمال. وكما وصفها القرآن الكريم (التي لم يخلق مثلها في البلاد) وهذا دليل قاطع على ان المدينة فريدة في تصاميم بنيانها وهندستها المدنية.
الإبنة: لقد قرأت في مواقع الانترنت أن مدينة إرم قد تم اكتشافها في اوائل التسعينات في عُمان. ولكن ليس هناك معلومات كافية عن هذه المدينة وسكانها.
الأب: لقد كان أهل هذه المدينة في نعمة من الله عظيمة ولكنهم بطروها وجحدوا بها ولم يحمدوا الله عليها. ووصفت تلك الحضارة في العصر الحديث، بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى كأنه ترجمة لمنطوق الآية الكريمة ( التي لم يخلق مثلها في البلاد).
الأم: ولكن بسبب كفرهم وطغيانه فقد (صب عليهم ربك سوط عذاب – ان ربك لبالمرصاد) وأباد هذه الحضارة من أساسها بعد أن طمرتها عاصفة رملية غير عادية وهو ماسبق القرآن الكريم بالإشارة إليه. (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
الأب: وهناك اعتقاد ان مدينة «أوبار» وهي من أقدم وأشهر مدن شبه الجزيرة العربية هي مدينة «إرم» المذكورة في القرآن الكريم وتذكر كتب التفسير والتاريخ والاساطير عن هذه المدينة الكثير من الروايات التي تحوي مبالغات هائلة عن عظم تلك المدينة التي شيّدها شدّاد بن عاد في الصحراء الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، وبذل النفيس والغالي في بنائها لتكون جنة على الأرض، إذا جاز التعبير..
الإبن: وأنا أيضا عملت بحثا اليوم باعتبار أن الموضوع سيكون عن سيدّنا هود وقوم عاد، فقرأت في أحد المواقع على الانترنت أن لورانس العرب أول من حلم بتحديد مكان المدينة المفقودة وأطلق عليها اسم «أطلنتيس الصحراء»، ولكنه توفي قبل أن يحقق حلمه، ثم تبعه آخرون من الرحالة الذين انطلقوا في بعثات غير مثمرة ولكنهم لم ينجحوا أبدا في العثور عليها.
الإبنة: لكنني وجدت أن البحث الجدّي قد بدأ في مستهلّ الثمانينات عندما وقعت بعض الوثائق من مجموعة تقارير علمية بين يدي صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي «نيكولاس كلوب، وكانت هذه المستندات تتحدّث عن آخر ما توصّل اليه العلماء في بحثهم عن المدينة الاسطورية، فشغف بالمشاركة والاستكشاف وتضمّنت أعماله عددا من البحوث التي لا يستهان بها في هذا المضمار.
الإبن: صحيح. وهو يشير في هذه التقارير الى ادلّة ظاهرة تؤكّد وجود طريق قديمة إلى «أوبار»، وبالإضافة إلى ذلك جمع «كلوب» معلومات أكثر حول الموضوع من مراجع ووثائق تضمّنت أسماء حوالي 600 مؤرخ وعالم جغرافي ورحالة أكدوا وجود «أوبار».
الإبنة: أما عملية البحث التقني فبدأت في نوفمبر عام 1991، وفي أوائل 1992 ـ وبعد أن صرّح «كلوب» بأنه بدأ يشعر بالفشل ـ جاء قرار البعثة بالتنقيب في منطقة «شعصر» في «ظفار»، وكانت النتائج مشجعة، خاصة بعد أن تم دعم عملية الحفر باستخدام رادارات خاصة بالتربة الرملية تتغلغل في باطن الأرض.
الإبن: يقال أن " كلوب" طلب من عالِميْن في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» مسح منطقة شبه الجزيرة العربية بواسطة رادار التصوير الفضائي المركب على مكوك الفضاء «تشالينجر» لمقارنة صور المكوك مع صور أرسلها القمران الصناعيان سبوت ولاندسات.
الإبنة: صحيح. وبذلك أصبح بين يدي البعثة خريطة فريدة لمنطقة الربع الخالي، توضح طرق القوافل القديمة وخزانات المياه الجوفية ومجاري الأنهار القديمة والوديان، وكلها مناطق كان من الصعب جدا رؤيتها بالعين المجردة، إلا أنها ظهرت واضحة جلية بفضل تكنولوجيا التصوير الفضائي.
الإبن: وقد أظهرت هذه الخريطة وجود طريق للقوافل مدفونة تحت الكثبان الرملية التي يصل ارتفاعها إلى 183م. وبالاستعانة بهذه المعلومات قررت البعثة الحفر قرب نقطة تقاطع طريق القوافل مع مكمن مائي قديم كشفت عنه الصور الفضائية، وهنا كانت الاكتشافات المدهشة.. قلعة محصنة مثمّنة الأضلاع، ذات أبراج وجدران شاهقة يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، وتضم عددا من غرف التخزين وأماكن السكن.. وظهرت المدينة الأسطورية «أوبار».
الأم: التي اسمها في القرآن الكريم ارم ذات اعماد. ما شاء الله على هذه المعلومات الشيّقة التي لم تزد معرفتنا فقط بل أكّدت لنا جدّية الجيل الجديد في البحث والتنقيب بقصد العلم والمعرفة.
الأب: لقد أدهشتموني يا أولاد بهذا الكم الهائل من المعلومات، وأنا سعيد أنّكما تبحثان موضوع القصة على شبكة الانترنت كي تستعدّوا للنقاش بها وهذا يزيدني فخرا واعتزازا بكما وأسأل الله أن يوفّقكما في ما انتم ساعين اليه.
الأم: لنرجع الى قبيلة عاد. فقد ذكر المؤرخون وعلماء التفسير أنهم سكّان مدينة إرم، وهم قبيلة متفرّعة من أولاد سام بن نوح، وسميت عاد نسبةً إلى أحد أجدادها، وهو: عاد بن عوص بن إرم بن سام.
الأب: أما نبي الله هود عليه السلام فهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد - جدّ هذه القبيلة - ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وكان قوم هود من عبدة الاصنام بعد الطوفان وكانت اصنامهم ثلاثه صدا وصمودا وهرا. وذكر في القرآن أن مبانيهم كانت شديدة الضخامه.
الأم: لقد فصّل القرآن الكريم قصة سيدنا هود مع قومه عاد في نحو عشر سور، أبرز ما فيها اثبات نبوة هود، وأن عادا كانوا خلفاء في الارض بعد قوم نوح، وأنهم أقوياء الاجسام، قساة القلوب، وكانوا يعيشون في ترف ويسكنون القصور الشامخة ويعبدون الاصنام.
الأب: دعاهم هود إلى الله بمثل دعوة الرسل، وأمرهم بالتقوى، وأنذرهم عقاب الله وعذابه، فكذبوه واستهزئوا بدعوته، وأصرّوا على العناد، واتّبعوا أمر كل جبار عنيد منهم، ولم يؤمن معه إلاَّ قليل منهم.
الأم: فاستنصر بالله، فأرسل الله عليهم الريح العقيم، وهي ريح شديدة لا يُرجى منها مطر، وصفها الله بالريح الصرصر العاتية، سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متتالية، (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) أي تدمر كلّ شيء بأمر ربها، فما تذر من شيء أتت عليه إلاَّ جعلته كالرميم. فأهلكتهم، وأنجى الله برحمته هوداً والذين آمنوا معه، وتم بذلك أمر الله وقضاؤه.
الإبن: بريح صرصر عاتية؟
الأم: معناها ريح شديدة البرد، تحرق من شدة صقيعها كما تحرق النار ولها صوت شديد يسمع له صرير كصوت صرير الباب.
الإبنة: وما معنى حسوما؟
الأب: أي متتابعة متوالية فقد كانت الرياح لا تنقطع ولو لثانية وفي هذا المجال نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزّان فلم يكن لهم عليه سبيل - ثم قرأ – (إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية) والريح لمّا كان يوم عاد عتت على الخزّان فلم يكن لهم عليها سبيل - ثم قرأ – (بريح صرصر عاتية)
الإبنة: سبحان الله.
الأم: يروى أنّ هودا كان مزراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه فقالوا : يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم نمطر فاسأل الله أن تخصب بلادنا وتمطر ، فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم : ارجعوا فقد امطرتم فأخصبت بلادكم ، فقالوا : يا نبي الله إنّا رأينا عجبا ، قال : وما رأيتم ؟ قالوا : رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا : من أنتم ؟ ومن تريدون ؟ قلنا : جئنا إلى نبي الله هود ليدعو الله لنا فنُمطَر، فقالت : لو كان هود داعيا لدعا لنفسه فإن زرعه قد احترق ، فقال هود : تلك امرأتي وأنا أدعو الله لها بطول البقاء.
الأب: فقالوا : فكيف ذلك ؟ قال : لانه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه وهي عدوتي، فلئن يكون عدّوي ممّن أملكه خير من أن يكون عدّوي ممن يملكني ، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وأنزل الله عليهم المطر وهو قوله عزوجل : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ).
الأم: فقالوا كما جاء في القرآن الكريم: ( يا هود ما جئتنا ببيّنة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين)، فلمّا لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله: ( كذبت عاد فكيف كان عذابي و نذر - إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر) أي أن ذلك اليوم كانت السماء فيه شديدة الحمرة بلون النحاس.
الأب: ويقال ان الريح العقيم هي الريح التي فتق الله بها الفضاء يوم بدء الخلق، وهي تخرج من بطن سابع أرض، وما خرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب عليهم ، فأمر الله الخُزّان أن يُخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت على الخزنة فخرج منها أكثر من ذلك غيظا وغضبا على قوم عاد، فضجّ الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا : يا ربنا إنها قد عتت علينا ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث الله جبرائيل فردّها بجناحه وقال لها : اخرجي على ما امرت به، فرجعت وخرجت على ما امرت به فاهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم.
الإبن: هذا شيء مخيف يا والدي.
الأب: آه لو يعتبر الناس يا بنيّ لتجنّبوا كل هذا.
الأم: استقبل هود كل هذه الاساءات بصبر عظيم .. ثم بدأ يحدّث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبّر لا تكتمل بمجرّد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي..
الأب: الظلم هو أن نظلم أنفسنا وهو يوقع بنا الهلاك، والظلم العظيم لأنفسنا هو نكراننا ليوم القيامة. فالله الرحمن الرحيم حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّما بين عباده على أنفسهم وعلى غيرهم. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد النظر بها حتى يحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.
الأم: وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقّي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، من شأنه أن يعلّق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحقّقوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورّات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلّق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.
الأب: حدّثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذّبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوّله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحسّ المكذبون للبعث، أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول.
الإبنة: بالطبع. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة طبقا للمقياس البشري تكمن في الخلق، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.
الإبن: اذا قضى امرا سبحانه وتعالى فإنه يقول له كن فيكون.
الأب: سبحان الله العلي القدير.
الأم: ويروي المولى عز وجل موقف الملأ وهم الرؤساء من دعوة هود عليه السلام. وسوف نرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم الله تعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة.
الأب: ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدّعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟
الأم: وتسائل هو ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.
الأب: حاول هود إفهامهم أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.
الأم: واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم. وبدئوا يتهمون "هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.
الأب: قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا. (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ)
الأم: بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدهم.. وتحدث هود: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ- مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ - فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )
الأب: أشهد هود الله وأشهد قومه بأنه بريء منهم ومن أعمالهم، وتحدّاهم ان يستطيعوا ايذائه لأن الله هو الذي يحميه ويهديه الى الصراط المستقيم، وانهم ان استمروا في كفرهم وعنادهم فسوف يبيدهم الله ويأتي بقوم غيرهم.
الإبن: والله ان سيدنا هود رجل شجاع حتى يقف هذا الموقف أمام اعدائه.
الأم: قمة الشجاعة ان يقف إنسان بمفرده ضد جبارين فيسفّه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقي كيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيء يعجز الله.
الأب: بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلّغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، ويستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.
الأم: انتظر هود وانتظر قومه وعد الله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم.
الإبنة: وهو عليه السلام أيضا رجل عاقل، لا يزال يعطي الفرصة لأعدائه ان يتوبوا عن غيّهم وكفرهم.
الأب: ولكنهم أبوا أن ينصتوا اليه، وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزاد الجفاف، واصفرّت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا). أي سينزل علينا المطر من هذه الغيوم المتجمعة.
الأم: ولكن تغيّر الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرّون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزّق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.
الأب: استمرت الرياح مسلّطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقّفت الريح بإذن ربها. لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.
الأم: قال تعالى على لسان نبي الله هود: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ). إن الذي يسافر إلى جزيرة العرب يلاحظ انتشار الصحارى بكثرة في معظم المناطق باستثناء المدن والمناطق التي زرعت لاحقاً. لكن القرآن الكريم يذكر أنه هذه الصحارى كانت يوماً من الأيام جنات فيها الزرع وعيون الماء.
الأب: ويتابع فيقول (وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فأتقوا الله واطيعون. واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) .
الإبنة: لقد كشفت السجلات التاريخية أن هذه المنطقة تعرّضت إلى تغيّرات مناخية حوّلتها إلى صحارى، والتي كَانتْ قبل ذلك أراضي خصبة مُنْتِجةَ فقد كانت مساحات واسعة مِنْ المنطقةِ مغطّاة بالخضرة كما أخبر القرآنِ، قبل ألف وخمسماية عام تقريبا.
الإبن: ولقد كَشفَت صور الأقمار الصناعية التي ألتقطها أحد الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، عن نظامَ واسع مِنْ القنواتِ والسدودِ القديمةِ التي استعملت في الرَيِّ في تلك المنطقة والتي يقدّر أنها كانت قادرة على توفير كميات كبيرة من المياه.
الإبنة: وقد تمّ تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد. ويعتقد أحد الباحثين الذي أجرى أبحاثه في تلك المنطقة فقالَ انّ المناطق التي كانت حول مدنية مأرب خصبة جداً وهو يعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة .
الأم: كما وَصفَ الكاتبُ القديم اليونانيُ Pliny هذه المنطقةِ أنْها كانت ذات أراضي خصبة جداً وكانت جبالها تكسوها الغابات الخضراء وكانت الأنهار تجري من تحتها.
الأب: ولقد وُجدت نقوشا في معابدِ قديمةِ قريباً من حضرموت، تصوّر بعض الحيوانات مثل الأسود التي لا تعيش في المناطق الصحراوية وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المنطقة كانت جنات وأنها مصداقاً لقوله تعالى : (واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ).
الأم: أما سبب اندثار حضارة عاد فقد فسّرته مجلة La M'interesse الفرنسية التي ذكرت أن مدينة إرم أو"عُبار" قد تعرضت إلى عاصفة رملية عنيفة أدّت إلى غمر المدينة بطبقات من الرمال وصلت سماكتها إلىى حوالي 12 متر
الأب: وهذا تماماً هو مصداق لقوله تعالى : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ).
الأم: دعونا نتمعّن جيدا بالتحوّلات المناخية التي سبقت ورافقت عملية ابادة قوم عاد واخفاء مدينتهم من الوجود.
الإبن: لقد بدأ ذلك بجفاف شديد حيث انقطع المطر تماما وقحلت الارض من جرّء ذلك.
الإبنة: ثم جاء سحاب عظيم ملأ السماء.
الإبنة: بعد ذلك تحوّل الحر الشديد الى برد زمهرير.
الإبن: ثم بدأ هبوب الرياح الشديدة العاتية.
الإبنة: ثم أهلكت الرياح الناس وبلعت الارض المدينة.
الأب: الحقيقة أن منطقة ظفار التي تقع فيها مدينة ارم القديمة، تتميز بطقس معتدل المناخ طيلة أيام السنة إلا أنها تتأثر بالرياح الموسمية الغربية القادمة من المحيط الهندي حيث تستقبل جبالها الأمطار الموسمية المصحوبة بالسحب الكثيفة والضباب طوال أشهر الخريف
الأم: وتصل درجة الحرارة إلى أدنى مستوياتها في فصل الشتاء عند 15 درجة مئوية. وتتنوع بتضاريس أكسبتها مقومات سياحية بالغة الأهمية، فهناك الجبال التي تكسوها الخضرة والسهول الساحلية الخصبة والشواطئ الخلابة التي تمتد حتى 500 كم، بالإضافة إلى العيون والأودية.
الأب: وهي تشتهر بإنتاج اللبان الذي كان يعتبر بقيمة الذهب، لكثرة الطلب عليه. وتنمو أشجاره بغزاره في وادي عدونب وسدح وهانون والذي مهّدت تجارته لترسيخ علاقة المنطقة بحضارات العالم القديم قبل حوالي 8 آلاف سنة، حيث تم تصديره إلى بلاد ما بين النهرين والهند ومصر واليونان وفارس وروما القديمة عبر البحر وعبر طرق القوافل البرية.
الأم: تنقسم ظفار إلى ثلاث نطاقات مناخية محلية النطاق الأول هو السهل الساحلي وهو سهل خصب ذو مياه جوفية عذبة عالية الجودة، وهذا الإقليم ذو اربعة فصول في السنة مع اعتدال في معدلات درجة الحرارة السنوية. والنطاق الثاني هو نطاق جبال ظفار وتحديدا المنطقة المتأثرة بالرياح الموسمية، تتكون جبال ظفار الأولى من جهة الشرق هي كتلة جبل سمحان و الكتلة الثانية هي كتلة جبل القرا والكتلة الثالثة هي كتلة جبل القمر.
الأب: مناخ جبال ظفار شبه موسمي معتدل الحرارة، يتأثر بالرياح الموسمية الجنوبية القادمة من بحر العرب فتغطي السحب سماء ظفار ويتاسقط الرذاذ الخفيف لمدة ثلاثة أشهر على الجبال والسهول الساحلية فتكتسي الأرض بساطا جميلا من الخضرة وهو ما يسمى لدى اهل ظفار بموسم الخريف.
الأم: أمّا النطاق الثالث فهو نطاق البادية وهو نطاق صحراوي جاف قليل المطر ويتداخل مع صحراء الربع الخالي في أقصى الشمال الغربي لظفار . ونحن أردنا بهذا التحليل المناخي أن نلقي ضوءا على مناخ المنطقة التي لا توحي تقلبات مناخها بأي عوامل تثير عواصف هوائية وأرياح عاتية.
الأب: ولكن الله آثر أن يأتي عذاب قوم عاد من تأثيرات مناخية لم يعرفوها من قبل، فجعلهم يعيشون أيام القحل والجفاف وهم الذين يتباهون بمناطقهم الزراعية : (أمدّكم بأنعام وبنين وجنات وعيون). ثم جعلهم يهلكون من الهواء الذي يتنفسون به .. حيث اشتد عليهم حتى قتلهم. رياح متتابعة لا تفتر ولا تنقطع والمعنى أنها حسمتهم , أي قطعتهم وأذهبتهم . فهي القاطعة بعذاب الاستئصال . فلم تبق منهم أحدا . وقيل تحسمهم حسوما أي تفنيهم .
الإبن: هكذا انتهت قبيلة عاد وانتهت مدينتهم ارم ذات العماد.
الإبنة: مدينة الالف عامود وحضارتها وابنيتها الشاهقة كلها انمحت من الوجود وكأنها لم تكن.
الأم: ويقال أن " إرم ذات العماد " مبنية بلبن الذهب والفضة وهي مدينة عظيمة لها سور وأبواب.
الإبن: وهل كان هؤلاء القوم عمالقة حقا؟
الأب: يقال والله أعلم أنه كان الرجل منهم يأتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم. ويقال والله أعلم أنهم ساعدوا في بناء اهرامات مصر، حيث كانوا يرفعون الاحجار والصخور الثقيلة ويثبتونها في البناء.
الأم: يروى عن شداد بن عاد انه قال: " أنا شداد بن عاد، الذي رفع العماد، بنيتها حين لا شيب ولا موت، وأنا الذي شددت بذراعي بطن الواد، وأنا الذي كنزت كنزا على سبعة أذرع، لا يخرجه إلا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم ". وكانوا قوما يعمّرون فكانت تمر بهم مائة سنة لا يرون فيها جنازة .
الأب: وروي أنه كان لعاد ابنيْن : شداد وشديد فملكا وقهرا، ثم مات شديد، وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا، ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة، فقال : أبني مثلها. فبنى إرم في بعض صحارى عدن، في ثلثمائة سنة، وكان عمره 904 سنة .
الأم: وقالوا وهي مدينة عظيمة، قصورها من الذهب والفضة والزبرجد والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار الجارية. ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
الأب: يحكى أن الرجل منهم كان طوله خمسمائة ذراع، والقصير منهم طوله ثلثمائة ذراع بذراع نفسه. وروي عن ابن عباس أيضا أن طول الرجل منهم كان سبعين ذراعا . وزعم قتادة : أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا . والله أعلم لكنّهم بالتأكيد كانوا طوال القامة.
الأم: قال أبو عبيدة : " ذات العماد " ذات الطول. وكانوا أهل خيام وأعمدة، ينتجعون الغيوث، ويطلبون الكلأ، ثم يرجعون إلى منازلهم. وقيل : " ذات العماد " أي ذات الأبنية المرفوعة على العمد. وكانوا ينصبون الأعمدة فيبنون عليها القصور . قال ابن زيد : " ذات العماد " يعني إحكام البنيان بالعمد . وقال الضحّاك : " ذات العماد " ذات القوة والشدة، مأخوذ من قوة الأعمدة دليله قوله تعالى : (وقالوا من أشد منا قوة). والله أعلم.
ولنا لقاء غدا انشاء الله مع قوم ثمود وسيدنا صالح.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق