رمضانيات
الحلقة 20
مريم بنت عمران
أمّ النور
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
قصة مريم بنت عمران
الأب: سنتوقّف اليوم عند قصة السيدة مريم بنت عمران والدة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام وذلك لان في قصّتها رابط اساسي بين ميلاد سيدنا يحيى وميلاد سيدنا عيسى عليهما السلام.
الأم: تنحدر السيدة البتول مريم عليها السلام من أبوين مؤمنين عمران وحنّة، وأمها حنة كانت عاقراً لا تنجب أطفالا وأبوها عمران بن آثان. مرت على الزوجين سنوات وهما في اشد العذاب كونهما محرومين من نعمة الخلف والولد. وكانت حنّة تتألم أشد الألم كلما رأت طفلا في حضن امّه، وأحياناً كثيرة كانت تبكي وتضرّع الى السماء طالبة من الله العزيز الكريم ان يقر عينها بخلف صالح يرضيه ويرضيها. وشاء الله سبحانه وتعالى الله تبارك أن يستجيب لدعوتها وهو الذي يجيب المضطر اذا دعاه. فحملت وملأت الفرحة جوانب قلبها وحياتها، وخرّت ساجدة لله تبارك وتعالى شكراً وعرفاناً، ثم رفعت رأسها وقالت قول الله تبارك وتعالى: ربّ اني نذرتُ لكَ ما في بطني مُحَرّراً فتقبّلْ مني انكَ أنتَ السميعُ العليمُ.
الأب: كانت حنّة عابدة متبتّلة، وثيقة الصلة بالله عز وجل، شديدة الشفافية والروحانية، فلّما استجاب الله سبحانه وتعالى لتضرعاتها بالحمل نذرت وليدها خادما للهيكل، شكراً لله على نعمه وعظيم فضله. وتمرُّ أيام الحمل وشهوره والسعادة تغمر حياة حنة الأم الصابرة الشاكرة، والهناء يرفرف في أجواء الدار الذي يضم جنيناً ينمو في رحم أمه. ولكن تشاء قدرة الله تبارك وتعالى أن يختار الى جواره زوجها عمران قبل أن يُكحّلَ عينيه برؤية باكورة انتاجه.
الابن: وما كان عمل زوجها عمران والد مريم؟ ولكم
الأب: يقال والله أعلم انهه كان من خدّام المعبد الرئيسيين، ومركزه كان مرموقاً، وكان محبوبا من الجميع، لانه كان يحب الجميع ويعمل من اجل الخير عامة وهو مؤمن ايمانا وثيقا بالله عز وجل. ولكم ان تتصوّروا مدى حزن الناس لموته، ومدى حزن حنّة على زوجها الذي انتهى اجله قبل ان يرى ثمرة زرعه. وأيضاً مدى قلقها كيف سيربى الطفل القادم من غير ان يكون بكنف والده ليقوم بتربيته ورعايته وكفايته وتأمين العيش الكريم له. وربما هذا سبب آخر دفع حنّة ان تنذر ما في بطنها لخدمة الله في المعبد.
الأم: ولمّا آن أوان الوضع، واشتد بها المخاض، ووضعت حملها، تفاجئت ان المولود كان بنتاً أنثى، لأنها كانت تأمل بمولود ذكر كي تفي نذرها وتقدمه لخدمة الله في المعبد. لأن العرف كان ان لا يكون في المعبد نساء. فبكت خجلا من الله واعتذرت منه قائلةً قول الله تبارك وتعالى: (ربّ اني وضعْتُها أنثى واللهُ أعلمُ بما وضَعتْ وليس الذكرُ كالأنثى، واني سميتُها مريمَ واني أُعيذُها بكَ وذُرّيتَها منَ الشيطانِ الرجيمِ). ولكن يوحي الله لها انه اعلم بما وضعت، وقد تقبّلها قبولا حسنا سبحانه تعالى وانه اصطفاها من نساء العالمين لتكون امّ السيّد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
الأب: وكان لحنّة أختاً يُقالُ اسمها الياصبات كما ذكرنا في قصة سيدنا زكريا وهي زوجته عليه السلام. وكانت أيضا عاقراً كأختها تماما لا تنجبُ أطفالا. فما أن وضعت الأم مولودتها مريم حتى قامت الى الهيكل لتوفي نذرها، وكانت تتناوب على خدمتها مع اختها وزوج اختها. وكان لزكريا عليه السلام النصيب الأكبر في رعايتها اذ لم يكن ليفارقها من صباحٍ او مساء، ققد كان يرى في مريم عوضاً عمّا فيه من حرمان الولد. وعندما شعر بكرم الله وقدرته حثّه ايمانه أن يتضرّع الى الله عزوجل ويسأله أن يهبه ولدا يرثه من بعده وقال قوله تعالى: (ربّ اني وهَنَ العظمُ مني واشتعَلَ الرأسُ شيباً ولم أكنْ بدعائك ربي شقيِّياً. واني خفتُ المواليَ من ورائي وكانتْ امرأتي عاقراً فهبْ لي من لدُنكَ وليّا.ً يرثُني ويرثُ آلَ يعقوبَ اجعله ربّ رضِّياً). فاستجاب الله عزوجل دعاءه وأوحى اليه:
(يا زكريا انا نُبشرُّكَ بغلامٍ اسمُهُ يَحيي لم نجعلً لهُ من قبلُ سمّيّاً). وهنا يتبيّن لنا انّ الله هو من أطلقَ على يحَيي عليه السلام اسمه الذي لم يحمله انسانٌ قطٌّ قبله.
الأم: كان ميلاد مريم بنت عمران قد اثار مشكلة صغيرة في بداية الأمر. اذ ان عمران مات قبل ولادة مريم. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن تربو مريم في كنف بيت من بيوت الرجال الصالحين كي تكون تنشأ نشأتها نشأةً صالحة تعبيرا لما كان لأبيها فضل عليهم ومحبة في قلوبهم. فكان كل واحد يتسابق لنيل شرف تربية ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهم وإمامهم فيها.
الأب: طلب سيدنا زكريا من القوم ان يدعوه يكفلها لانها قريبته وزوجته خالتها ولانه نبيهم. فلم يجيبوه وقالوا له صراحة انهم لا يمكنهم ان يدعوه ينفرد بهذا الشرف لوحده. وافترحوا القرعة فمن ترسو عليه يكفلها. فحفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقي بأقلامنا في النهر، فمن سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب. فلما ألقوا أقلامهم في النهر، سارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا سار وحده ضد التيار. وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكون القرعة ثلاث مرات وكانت في كل مرة ترسو عليه حتى اقتنعوا وأعطوه مريم ليكفلها.
الأم: وبدأ زكريا يخدم مريم، ويربيها ويكرمها حتى كبرت. فكان لها محرابا خاصا في المسجد تسكن وتتعبد فيه. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا فيذهب وقتها كله في الصلاة والعبادة. وكان زكريا يزورها في المحراب. وكان يتفاجأ كلما دخل أنّ عندها فاكهة ليس موسمها ولا وقتها ولا يوجد منها في الاسواق. وكان كلما سألها من أين لك هذا الرزق تقول له انه من عند الله الذي يرزق عباده من غير حساب.
الابنة: وكيف كان ذلك يا والدي؟
الأب: يقال والله أعلم ان الملائكة لم تنقطع من زيارة مريم عليها السلام في مخرابها وكانت تتناوب على الجلوس معها وتعليمها وهدايتها للايمان الصحيح بالله ورسله وملائكته. ولا تنفك عن ذكر انها سيكون لها شأنٌ عظيم لان الله اصطفاها من بين نساء الدنيا لتكون امّاً للسيّد المسيح المخلّص. وكانوا يجلبون لها طعامها من حدائق الجنة تكريما لها، وثماؤ الجنة ليست ثمارا موسمية كثمار الارض لذلك كان زكريا يرى عندها فاكهة في غير موسمها.
الابن: اذن كانت تعلم بما سيحري لها من امر الولادة؟
الأب: لا يا صديقي فهي كانت تعلم انها ستكون امّاً لكن لم يدر بخاطرها انها ستلد وهي عذراء لم يمسسها بشر.
الأم: لما توفي عمران ذهبت بها إلى المسجد الأقصى حتى تعيش هناك، وتتربى على التقوى والأخلاق الحميدة، وتنشأ على عبادة الله منذ الصغر، ودفعتها إلى العبَّاد والربانيين فيه، تنفيذاً لنذرها، وكان هذا من أحكام الشريعة اليهودية. بعد ذلك رست القرعة على زكريا ليكفلها ويربيها ويقوم على رعايتها، وقد كان زكريا نجارًا. والله أعلم.
الأب: شبَّت مريم في بيئة عبادة وتقوى داخل بيت المقدس، وأكرمها الله بكرامات عديدة، وكان من كراماتها ما قصَّه الله تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
الابنة: وكيف انبتها نباتا حسنا؟
الأم: الجواب في قوله عز وجل (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ). اي ان الله اختارها من بين كل النساء، فطهّرها، ويجوز ان هذا من احد اسباب غذائها من طعام الجنة ايضا. وبعد ان طهّرها عاد واصطفاها عن نساء العالمين.
الابن: سبحان الله على هذه الحكمة وعلى هذه البلاغة في التعبير.
الأب: وبينما كانت مريم تتعبّد ذات يوم اتاها جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة بشرية، واقتحم عليها خلوتها في محرابها، ففزعت واستعاذت بالله منه فقالت (أعوذ بالرحمن منك انْ كنت تقيّاً).
فهدّأ جبريل من روعها وقال لها انما أنا رسولٌ من عند الله عز وجل أرسلني اليك لأهبّ لك طفلاً سيكون له شأنٌ عظيم، كما في قوله تعالى: (انما أنا رسولُ ربّكِ لأهبَ لكِ غلاماً زكّيّاً). فازداد خوف مريم واضربت اضطرابا شديدا وقالت له كيف انجب ولدا وانا فتاة عذراء نقية طاهرة لم يمسسني بشر. ثم اعلمته انها ليست من فتيات السوء والبغاء اذا كان ظنه ذلك. قالت له هذا القول وهي ما زالت لا تعرفه وغير مقتنعة بما قاله لها. (قالت أنى يكونُ لي ولدٌ ولم يمسَسْني بشرٌ ولم أكُ بغِيّأً).
الأم: فأجابها جبريل وقال لها: أين الاستحالة بتحقيق أمر كهذا، فالله عز شأنه اذا قضى أمراً وأراد شيئا انما يقول له كن فيكون. وتابع قائلاً إن هذا الغلام سيكون علامة كبرى على درب الهداية للمؤمنين، فهو كلمة الله ومن روحه، وسيأتي رحمة لتخليص المعذبين في الأرض من براثن الظلم والجهل ومن نير العبودية. ثمّ أكّد لها انه لا شأن له بالأمر انما هو امر الله (قال كذلِكِ قال ربُّكِ هوَ عليَّ هيِّن ولنجعلَهُ آيةً للناسِ ورحمةً منّا وكان أمراً مقضِيّاً). ونفخ جبريل في جيب مريم فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام، ولما حملته انتبذت به مكاناً قصياً بعيداً عن أهلها في جهة شرقية، وواظبت على عبادتها كعادتها.
الأب: وبعد أن ادى جبريل عليه السلام مهمته وغابَ عنْ ناظريْها وجدت نفسها في واقع جديد وأمرٍ جلل ما خطر يوما ببالها انه سيمرّ عليها مثله. طافت في ذهنها أفكارٌ شتى، ونازعتها كوابيس مخيفة وهي تتخيّلُ ما يمكن أن ان يكون حالها. وماذا ستتقوّلُ الناس عنها وهي العفيفة الطاهرة المطهرة العابدة التقية الصالحة. هكذا يعرفها أهلها والناس. فماذا ستقول لهم عندما تنجب ولم يسبق لها الزواج؟ فهم بالتأكيد سيتّهمونها في عرضها ويجُرح شرفها. وبدت حائرة مترددة قلقة مضطربة لا تستقر على حالٍ لكنها أسلمت أمرها الى الله عز وجل ومشيئته النافذة. هكذا مرّت عليها فترة الحمل في معاناة قاسية جدا لم تعد معها تطيق حتى نفسها. ولم تعد تريد رؤية احداً من الناس فقرّرت الخروج من بيت المقدس الى مسقط رأسها في الناصرة لتعتزل عن الناس في بيت ريفي مدّعيّةً المرض والتعب كهروب من الناس الى الذات تنتظر قضاء الله عز وجلّ.
الأم: وجاء اليوم الموعود وأوان الوضع، فخرجت عليها السلام من بيتها ووحدتها تهيمُ على وجهها، لا تدري وجهتها وقد بلغت همومها ووساوسها ذروتها. وأوت الى جذع نخلةٍ يابسةٍ فجاءها المخاض وهي بحالة نفسية وجسدية يُرثى لها شعرت معها انها مشرفة على الموت المحتّم والفضيحة المحتّمة. وقالت في اسى وحسرة ويأس لا حدود له : (يا ليتني مِتُّ قبلَ هذا وكنتُ نسْياً منسِيّاً).
الابنة: يا الله من من نساء البشر يستطيع ان يتحمل هذا الامر الرهيب؟
الأم: لا احد. فالسيدة مريم كانت في عين الله ورعايته، لذلك نرى ان كل هذا الرعب والقلق تلاشى ونسيت ما هي فيه من الم وحزن عندما رأت مولودها يطل من تحتها. فهانت عليها معاناتها، ونظرت اليه بحنان، وغاصت عيناها بالدموع وهي ترى هذه الثمرة الطيبة تُطلّ من رحمها الشريف الطاهر الى عالم الوجود. فنعم هذه الثمرة، ونعم الحامل والمحمول، وسبحان الخلاق العظيم.
الجميع: سبحان الله العظيم
الأب: وفوق كل هذا وليزيد الله من طمأنتها ويهوّن عليها اللحظة التي هي فيها، سمعت صوتاً رقيقاً لطيفاً يناديها من تحتها (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربكِ تحتكِ سرِّيّاً وهُزّي اليكِ بجِذْعِ النخلةِ تُساقطْ عليكِ رُطَباً جنِّنياً فكلي واشربي وقرّي عينا). كان هذا القول الكريم بردا وسلاماً عليها هدّأ من روعها وخوفها وقلقها واطمأنتب برغم انها ايقنت ان هذا الصوت هو صوت وليجها الذي ينفذ من رحمها، والذي تابع قائلا ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا).
الابنة: قرأت يا ابي قولا للعالم مصطفى محمود يشرح فيه هذه الآية بطريقة علمية ومما قاله انه لما قال لمريم ان تهز النخلة لتسقط الرطب وتأكل منها، كان الله سبحانه وتعالى يريد ان يخفف من الآم مخاض السيدة مريم بواسطة التمر. وقد ثبت لاحقا ان في التمر موادا تليّن جوانب الرحم وتجعل عملية الولادة اسهل واقل الماً والله اعلم.
الأب: اشكرك يا ابنتي على هذه المعلومة. حقّا ان جل جلاله قد علّم الانسان ما لم يعلم.
الأم: حملت السيدة مريم وليدها العظيم في لُفافته، كما اوحى الله لها وعادت الى قريتها، فذاع الخبر وشاع، وبدأ الناس يتقوّلون عليها ويلومونها ويتهمونها بأنها في وحل الخطيئة والمعصية. وعلت أصواتهم وواجههوها بغضب شديد وقالوا لها ما عرفنا أباك عمران الا مثالا للطهر والعفة، وامك حنة كانت موضع تقديرنا واحترامنا فما الذي جنيتيه على نفسك (يا مريمَ لقدْ جِئْتِ شيئاً فرّيَاً يا أختً هارون ما كان أبوكِ امرأ سوءٍ وما كانتٍ أمُّكِ بغِيّاً). هذا ما كانت تخشاه البتول العذراء عليها السلام. ولكنها الآن أكثر صلابةً وقوةً بعدما اطمئنت أن الله معها فلم تنبس ببنت شفة امتثالا لأمر الله عزوجل، ثمّ أشارت الى وليدها. فازداد الناقمون هياجاً واضطراباً، معتقدين أنها تسخر منهم وتستهزىء بهم. لكنهم خرسوا عندما أنطق الله تعالى الطفل عيسى بن مريم عليهما السلام ليُبرأ أمه من التهم التي القاها عليها قومها فقال قوله تعالى: (اني عبدُ الله آتانيَ الكتابَ وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دُمتُ حيّاً وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً والسلامُ عليّ يومَ وُلِدْتُ ويومَ أموتُ ويومَ أُبْعَثُ حيّاً).
الأب: وكانت السيدة مريم قبل حملها بعيسى عليه الصلاة والسلام مخطوبة لشابٍ اسمه يوسف النجار، فوقف معها موقفاً مشرّفاً خلال محنتها كلها ولم يتخلى عنها أبدا. بل كان يدافع عنها بكل ثقة مقتنعاً بما جُبِلت عليه، وما أُختيرت له، وظلّ وفيّاً لها ملازماً اياها. وفي تلك الاثناء كان الحاكم الروماني المنتدب آنذاك في فلسطين قد اعطى اوامره بقتل جميع أطفال بني اسرائيل المولودين حديثا بناءً على مفادة أفاد بها الكهان والعرّافون اليهود بميلاد طفل من سلالة داوود يرثُ الملك ويكون خطرا على الامبراطورية الرومانية. وكان الكهنة يقصدون التخلص من سيدنا عيسى عليه السلام ومنع ما أمر الله أن يكون. عندها حمل يوسف النجار مريم وطفلها وفرّ بهما الى مصر، ليختبؤا في مكان آمنٍ لا يصل اليهم أحد وصفه القرآن الكريم بقوله: (الى ربوةٍ ذاتِ قرارٍ ومَعينِ)، فأقاموا هناك زمنا، عاش وترعرع هناك سيدنا عيسى حتى بلغ الثانية عشر من عمره والله اعلم. ثم لمّا هدأ الامر وزال الخطر الذ كان قائما، على المواليد عادوا جميعا الى الناصرة.
الأم: وهناك في الناصرة عاشت مريم راعيةً لابنها عليهما السلام, حتى اذا بلغ ثمً سافرت به الى بيت المقدس لحضور احدى المناسبات الدينية. وهناك برزت خوارق سيدنا المسيح عيسى بن مريم. وكان هذا آخر حديث للكتب السماوية وكتب التاريخ عن مريم بنت عمران. فلم تُذكر بعد ذلك الا عند الاخوة المسيحيين عندما ذكروا في تأريخهم انها كانت حاضرة يوم موت المسيح وانها آخر من نظر اليها وكلّمها وقال لها ان لا تحزن فإن لقائهما سيكون في مملكة الرب.
وتوفيت مريم بعد موت عيسى بخمس سنوات، وكان عمرها حينئذ ثلاثًا وخمسين سنة، ويقال: إن قبرها في أرض دمشق. والله اعلم.
الأب: هذا ما كان من شأن السيدة مريم العذراء. وسيكون لنا غدا ان شاء الله موعدا مع النبي يحيى ابن زكريا عليها السلام.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق