رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الخامسة
صالح عليه السلام
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
الأب: بعد أن انتهينا بالامس من قصة سيدنا هود عليه السلام، نأتي الليلة على ذكر سيدنا صالح عليه السلام وقوم ثمود الذين لم يتّعظوا ممّا حصل لأسلافهم قوم عاد، فعاثوا فسادا في الارض وأمعنوا في الكفر وتحدّي نبي الله صالح، حتى أتاهم من الله عذابا لم يأت لاحد من قبل.
الإبن: وما قصة النبي صالح يا أبي، وهل هو نبي عربي؟
الأب: نعم لقد كان نبيا عربيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أربعة من العرب هم هود وصالح وشعيب ونبيّك يا أبي ذر.
الأم: وفي سلسلة القصص القرآنية سرد القرآن الكريم بعضا من قصة قوم ثمود الذين وصفهم بأنهم " الذين جابوا الصخر بالواد" وأنهم كفروا بربهم ولم يعتبروا بما حصل لسلفهم قوم عاد.
الإبنة: وكيف جابوا الصخر بالواد؟
الأم: يقال انهم كانوا من العمالقة مثل قوم عاد، وكانوا ينحتون بيوتهم في الصخور بجانب الوديان. والله أعلم.
الأب: وبعث فيهم الله نبيه ورسوله صالحا، يدعوهم الى عدم الكفر والشرك بالله، ويحثّهم على الايمان، غير انهم أبوا أن يستمعوا الى صالح عليه السلام، بل مكروا له وتآمروا عليه، فحل بهم عذاب الله الشديد.
الإبن: وكيف كان ذلك؟
الأب: قوم صالح عليه السلام هم قبيلة مشهورة يقال لها ثمود على إسم جدّهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عرباً يسكنون بين الحجاز وتبوك.
الأم: وكانوا بعد قوم عاد، يعبدون الأصنام، فبعث الله فيهم رجلاً منهم، وهو صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح، وفق تسلسل نسبه.
فدعاهم إلى عبادة الله وحده ولا يشركوا به، وأن يتركوا عبادة الاصنام، فآمن به بعض منهم، وكفر به غالبية القوم، وراحوا يهينوه ويأذونه ويتآمرون لقتله. يهم من الوجود.
الإبن: وما هي هذه الناقة؟
الأب: لنقرأ قبلا الآية التي وصف بها الله قوم ثمود وجاء على ذكر الناقة: بسم الله الرحمن الرحيم (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)
الأم: ويعني إنما جعلكم خلفاء من بعد قوم عاد، لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ماهرين في صنعتها واتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته، والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
الأب: وقال لهم أيضاً: بسم الله الرحمن الرحيم (قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
الأم: أي أن الله الذي خلقكم، وسوّاكم من تراب الأرض، ثم أسكنكم فيها لتستثمروا خيراتها من الزروع والثمار، هو أوجب أن تعبدوه.
الإبن: ما معنى استعمركم فيها.
الأم: معناها أسكنكم فيها وجعلكم قادرين على تطويعها لزرعها وبنائها وإعمارها.
الأب: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌِ) وهنا ينصح صالح قومه ان يتوبوا ويستغفروا الله ويقبلوا على عبادته فإنه يقبل التوبة وهو قريب يجيب دعوة عبده اذا دعاه.
الأم: (قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) أي أن قومه سخروا منه وقالوا له انهم كانوا يحسبونه وجيها بينهم لأنه يتمتع بعقل راجح، أما الآن وبعد كلامه هذا، فهم يشكّون برجاحة عقله لأنه يريد أن ينهاهم عن عبادة ما كان يعبد أسلافهم والعدول عن دينهم.
الأب: ولهذا قال لهم : ( قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فما تزيدونني غير تخسير) أي فما ظنّكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا سيكون عذركم عند الله، وماذا ومن يخلصّكم بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعائكم إلى طاعته. وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرني منه وأن ينصرني عليه، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
الأم: فقالوا له (إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي اتهموه بأنه مسحوراً لا يدري ولا يفقه وتحدّوه أن يأتي ببرهان على قوله.
الأب: (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ - وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) هنا يذكر لنا شيئا من أمر الناقة انها دليل من الله آتاه لصالح كي يؤمنوا. وقال لهم صالح ان الله قد أمر ان يكون لها يوم للشرب ولأهل ثمود يوما للشرب، وأن لا يمسّوها بسوء أو أذى حتى لا يغضبوا الله فيأخذهم بعذاب أليم.
الأم: وفي مكان آخر يقول: (قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهنا يؤكد الله ان هذه الناقة هي دليل من عند الله لثمود، ويأمرهم أن يتركوها ترعى في الارض وينهاهم عن ايذائها ويهددهم اذا فعلوا ذلك بعذاب عظيم.
الأب: وقوله تعالى أيضا: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا). وهنا يعلمنا الله أن الناقة هي دليل حي من عنده فغدروا وخانوا العهد وذبحوها.
الإبن: وما معنى مبصرة؟
الأب: المعنى هنا أن الناقة جائت لتلقي الضوء على الامور وتوضح الاشياء تماما كقوله تعالى ( والنهار مبصرا) بمعنى انه جاء ليجلي العتمة وينير الكون. لقد روى العلماء أن قوم ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم، وحذرهم، ووعظهم، وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا.
الإبن: يعني هذا انهم هم الذين طلبوا من سيدنا صالح ان يأتي بها؟
الأم: نعم ولكن ليعجزوه. ولكنه قال لهم أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به. قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك، ثم دعا ربه عند صخرة معينة أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنشق فانشقّت وظهر منها ناقة عظيمة عشراء، فيها كل الصفات التي طلبوها من النبي صالح، فلمّا رأى قومه تلك المعجزة العظيمة، وشاهدوا مشهد انشقاق الصخرة وخروج الناقة منها بمنظهرها الهائل، وعاينوا بذلك قدرة الله سبحانه وتعالى ورأوا فيها برهانا ساطعا على صدق صالح، آمن منهم من آمن، وبقي كثير منهم على كفرهم وضلالهم، وعنادهم.
الإبنة: وما معنى عشراء؟
الأم: معناها انها ولّادة – تلد الكثير من النعاج... ووردت الكلمة في قوله تعالى (واذا العشار عطّلت)
الأب: ولهذا قوله (فَظَلَمُوا بِهَا) أي جحدوا بها، ولم يتّبع أكثرهم الحق.
الأم: فقال لهم نبي الله صالح عليه السلام أن هذه الناقة هي خير وشرف لهم خصّهم الله بها وهي برهان ساطع على مصداقية صالح (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً) واقترح عليهم ان يدعوها ترعى وتأكل من خيرات الارض ولا يقربوا منها بأذى حتى لا يسلط الله عليهم عذابه ( فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) لأن عذابه قريب.
الأب: ويبدو أن شرط صالح كان أن تبقى الناقة بينهم ترعى في المراعي وتشرب من ماء البئر يوما لا يشرب منه القوم، وهي لا تشرب في اليوم المخصص للقوم ليشربوا منه. وكان ذلك على النحو التالي: يوما للناقة ويوما لثمود. ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم.
الأم: ولهذا قال الله تعالى (لها شرب، ولكم شرب يوم معلوم) ويجوز ان يكون ذلك بمعنى السقيا، الناقة لها يوم تشرب فيه وتسقي عشارها، والقوم لهم يوم يشربون فيه ويسقون. كما يجوز ان لهم يوما يشربون من لبنها والله أعلم.
الأب: وقال تعالى أيضا: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ) أي اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون فانتظر ما يكون من أمرهم، واصطبر على أذاهم فسيأتيك الخبر اليقين.
الأم: وأمر الله صالحا أن يخبرهم أن ورود الماء قسمة بينهم وبين الناقة فعندما تحضر الناقة الى عين الماء لتشرب لا يقترب القوم من الماء والعكس صحيح. (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ).
الأب: فلما طال عليهم الحال هذا، اجتمع زعماء ثمود ليتآمروا على صالح، وقرروا ذبح الناقة ليخلصوا منها، ويتوفّر لهم ماؤهم، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم. (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فتحدّى قوم ثمود صالحا أن يأتي بعذاب الله الذي توعّدهم به.
الإبن: هذا فعل شنيع. وكيف كان تنفيذ هذه المؤامرة؟
الأم: روي والله أعلم أن امرأتين من ثمود، اسم إحداهما صدوق وهي ابنة المحيّا بن زهير بن المختار، وكانت ذات حسب ومال، وكانت متزوجة من رجل آمن بما دعا اليه صالح ففارقته، دعت ابن عم لها يقال له: مصرع بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو ذبح الناقة. واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز، وتكنّى بأم عثمان، وكانت عجوزاً كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو، أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة ويكون له من شاء من بناتها.
الأب: عرض هذان الشابان عقر الناقة على سبعة آخرين من أصدقائهم وهم صحبة سوء فوافقوا وصار عدد المتآمرين على عقر الناقة تسعة، وهم المذكورون في قوله تعالى (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)
الأم: أقنع هؤلاء التسعة بقية القبيلة بخطّتهم لذبح الناقة والتخلّص منها الى الأبد وإذلال صالح وقتله اذا لزم الامر. وجمّلوا لهم الامر فوافق القوم وطاوعوهم في ذلك. انطلق المجرمون يرصدون الناقة، فلما أقبلت كمن لها الذي اسمه مصرع فرماها بسهم أصاب ساقها، وجاء النساء يحثّون القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم.
الأب: فهجم الذي اسمه قدار بن سالف وضربها بسيفه، فخرّت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة عظيمة وكأنّها تحذّر ولدها، ثم جاء آخر فطعنها في لبّتها وذبحها. وكان معها ولدا رضيعا تمكّن من الفرار وصعد الى جبل منعهم عن ملاحقته، وأطلق ثلاثة صيحات عظيمة.
الإبن: يعني انه كان لها ولد رضيع؟
الأب: أو أكثر والله أعلم. وقد روي أن ولدها قال: يا ربّ أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها. وقيل: بل لحقوه وذبحوه أيضا والله أعلم!
الأم: قال الله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ - فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) أي أن القوم نادوا القاتل فجاء لذبح الناقة ثم بعد ذلك يوضح الله كيف أنذرهم بواسطة صالح وكيف بعد ذلك جاء عذابه فدمّر ثمود عن بكرة أبيها.
الأب: وقال تعالى: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا - فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) يخبرنا الله العزيز الحكيم أنه ما أن جاء الذي يريد ذبح الناقة وهو من أشرس القوم وأشقاهم في الاجرام، حتى هبّ صالح عليه السلام يقول ان هذا يوم الناقة في السقيا في محاولة لتذكيرهم بما عاهدوه عليه ودرء خطر العذاب عنهم.
الأم: هنا يحضرني حديث عن عمّار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "ألا أحدثك بأشقى الناس". قال: بلى يا رسول الله. قال: "رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا – وأشار الى رأسه- حتى تبتل منه هذه – وأشار الى لحيته".
الإبن: قاتلان من نفس المنبت والله أعلم.
الأب: ويقول الله تعالى: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فكان في كلامهم امعان في الكفر والمكابرة والتحدي.
الأم: قال الله تعالى: وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها، فلما عاين ذلك سقيها - وهو ولدها - شرد عنهم، فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
الإبن: فأمهلهم صالح ثلاثة أيام. هل هذا بأمر من الله؟
الأب: بالطبع. فلهذا قال لهم صالح: (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام) فلم يصدّقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لمـّا أمسوا همّوا بقتله، وأرادوا فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة.
الأم: وأضمروا على قتل صالح (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) فأقسموا وحلفوا أيماناتهم على قتل صالح وأهل بيته جميعا، واتفقوا على ان يقولوا لكبير عائلته أنهم لم يشهدوا الجريمة ولا يعرفوا القاتل فيكونوا بذلك ينفون الجريمة عنهم وينكرونها من أساسها.
الأب: وقال الله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ - فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ - فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). يوضح لنا الله العزيز الحكيم تلك المؤامرة الشنيعة وكيف اجتمع القتلة لتخطيط جريمة قتل صالح، ويؤكّد لنا أن الله كان قد خطّط خطّة مضادة لم يشعروا بقدومها، وهي أنّه نفّذ بهم قضائه وسلّط عليهم نقمته وأخذهم أخذة واحدة، فلم يبق منهم من يخبر بما جرى غير النبي صالح والذين آمنوا معه.
الأم: وفي هذا الصدد يقال والله أعلم أن الله أرسل على العصابة التي نوت قتل صالح حجارة نزلت عليهم كرذاذ المطر حتى اضطروا أن يحتموا منها ويتوقّفون عن الذهاب لقتل صالح. ثم شاء الله أن يعجّل موعد هلاك ثمود وازالتها عن بكرة أبيها، فكان يوم الخميس وهو أول أيام النظرة والترقب، فأصبحت وجوههم مصفرّة وكأن مرضا أصابهم، وما أن حلّ العشاء حتى نادى بعضهم البعض متسائلين اذا ما كان ذلك اليوم أول أيام المهلة التي أمهلها الله لهم على لسان صالح. (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام).
الأب: ثم أصبحوا في اليوم الثاني، وهو يوم الجمعة وصارت وجوههم شديدة الحمرة فلمّا جاء المساء تنادوا فيما بينهم أن هذه فترة عصيبة وستمضي ولن يصيبهم أي اذى أو مكروه.
الأم: ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع، وهو يوم السبت، ووجوههم حالكة السواد، فلما أمسوا لم يستطيعوا النوم من شدّة قلقهم أنّ مهلة الثلاثة أيام نفذت والصبح قريب، فماذا لو كان صالح صادقا في قوله وأن عذاب الله واقع؟
الأب: فلما كان صبيحة يوم الأحد، قبعوا في منازلهم لم يغادروها وهم في حيرة يتفكّرون ماذا سيحل بهم من العذاب، والنكال، والنقمة، ولا يدرون كيف يفعل بهم، ولا من أي جهة سيأتيهم هذا العذاب.
الأم: فلما أشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء ورجفت الارض بهم رجفة شديدة، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وسكتت الأصوات، وتحقّق أمر الله، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها.
الأب: قيل والله أعلم أنه لم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة، واسمها كلبة - بنت السلق - ويقال لها: الذريعة، وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت، وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
الأم: قال الله تعالى: (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي كأنهم لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء. (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِثَمُودَ) غير أن قوم ثمود كفروا وأنكروا صالحا فأبعدهم الله من المكان والزمان، فمحا أثرهم وأزالهم عن وجه الارض.
الأب: يروى أنه لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر( وهو المكان الذي كانت قبيلة ثمود بين الحجاز وتبوك كما ذكرنا من قبل) قال: "لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها. وكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله". فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه".
الأم: وفي نفس السياق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين مر بقبر في الطائف: "إن هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف؛ وكان من ثمود؛ وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه". فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن. والله أعلم
الإبنة: وماذا حلّ بالنبي صالح وأهله؟
الأب: نعلم فقط ما ورد في قوله تعالى (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ). ابتعد عنهم صالح قبل أن يحل عليهم العذاب قائلا لقد نصحت لكم ولكنكم لا تحبون من يريد النصح ويريد لكم الخير والنعيم. لقد جهد صالح في هدايتهم بكل ما أمكنه الله، وحرص على ذلك بالقول والفعل والنية الصادقة. (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ - وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
الإبنة: الله أكبر على هذه البلاغة
الأم: ويروى أيضا انه لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟" قال: وادي عسفان. قال: "لقد مر به هود وصالح عليهما السلام، على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق". أي على ناقات يشدّونها بحبال الليف وهم يلبسون العباءات وأثوابهم من قماش خشن. والله أعلم
الأب: ويقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بوادي الحجر من أرض ثمود في عام غزوة تبوك، نزل صلوات الله عليه الله بالناس، عند بيوت ثمود، فاستقى من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها، ونصبوا القدور، فأمرهم رسول الله فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين للابل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، فقال: "إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم". والله أعلم.
الأم: وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة، فكانوا يبنون البيوت من الطين، فتخرب قبل موت الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتاً في صخور الجبال. وذكروا أن صالحاً عليه السلام لما سألوه آية، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء، وأخبرهم أنهم سيعقرونها، ويكون سبب هلاكهم ذلك.
الأب: يروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله سأل جبريل كيف كان مهلك قوم صالح ؟ فقال : يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ستة عشر سنة ، فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير ، قال وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله، فلما رأى ذلك منهم قال : يا قوم إني قد بعثت إليكم وأنا ابن ست عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين : إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألوني ، وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد شنأتكم وشنأتموني ، فقالوا : قد أنصفت يا صالح فاستعدوا ليوم يخرجون فيه.
الأم: قال جبريل : فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا ، فلما أن فرغوا دعوه فقالوا : يا صالح سل ، فدعا صالح كبير أصنامهم فقال : ما اسم هذا ؟ فأخبروه باسمه ، فناداه باسمه فلم يجب ، فقال صالح : ماله لا يجيب ؟ فقالوا له : ادع غيره ، فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه واحد منهم ! فقال : يا قوم قد ترون قد دعوت أصنامكم فلم يجبني واحد منهم فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة ، فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها : ما بالكن لا تجبن صالحا ؟ فلم تجب ، فقالوا : يا صالح تنحّ عنا ودعنا وأصنامنا قليلا، قال : فرموا بتلك البسط التي بسطوها ، وبتلك الآنية وتمرغوا في التراب وقالوا لها : لئن لم تجبن صالحا اليوم لنفضحن ، ثم دعوه فقالوا : يا صالح تعال فسلها ، فعاد فسألها فلم تجبه ، فقالوا : إنما أراد صالح أن تجيبه وتكلمه بالجواب.
الأب: قال جبريل : فقال صالح : يا قوم هو ذا ترون قد ذهب النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة ، قال : فانتدب له سبعون رجلا من كبرائهم وعظمائهم والمنظور إليهم منهم فقالوا : يا صالح نحن نسألك ، قال : فكل هؤلاء يرضون بكم ؟ قالوا نعم فإن أجابوك هؤلاء أجبناك ، قالوا : يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك وتابعك جميع أهل قريتنا ، فقال لهم صالح : سلوني ما شئتم ، فقالوا : انطلق بنا إلى هذا الجبل القريب حتى نسألك عنده ، قال : فانطلق وانطلقوا معه فلما انتهوا إلى الجبل قالوا : يا صالح اسأل ربك أن يخرج لنا الساعة من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء وبراء بين جنبيها ميل.
الأم: قال صالح : قد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي ، فسأل الله ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه العقول لما سمعوا صوته ، قال : واضطرب الجبل كما تضطرب المرأة عند المخاض ثم أطلّت الناقة برأسها من ذلك الصدع ، فما استتمت رقبتها حتى اجترّت ثم خرج سائر جسدها ثم استوت على الارض قائمة ، فلما رأوا ذلك قالوا : يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ! فسله أن يخرج لنا فصيلها أي ولدها ، قال : فسأل الله تعالى ذلك فرمت به فدب حولها ، فقال : يا قوم أبقي شئ ؟ قالوا : لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم ما رأينا ويؤمنوا بك.
الأب: قال جبريل : فرجعوا فلم يبلغ السبعون الرجل إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا : سحر، وثبت الستة وقالوا : الحق ما رأينا ، قال : فكثر كلام القوم ورجعوا مكذِّبين إلا الستة ثم ارتاب من الستة واحد وكان واحدا من الذي عقروها فيما بعد.
الأم: في سورة إبراهيم يريد الله أعلامنا بأن سيدنا موسى عندما كان يعظ قومه ويحثّهم على الايمان، كان يوصيهم أخذ العبر من هلاك قوم نوح وعاد وثمود. (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ - أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ).
الأب: وقيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أهل قليب بدر، بعد ثلاث ليال وقف عليهم، وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال: "يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا". وقال لهم فيما قال: "بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم". فقال له عمر: يا رسول الله تخاطب أقوامًا قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون".
الأم: لماذا لا نستعرض معا فوائد قصة نبينا صالح وقوم ثمود؟
الإبنة: وكيف ذلك يا أمي؟
الأم: من يستطيع أن يعطي نبذة موجزة عن صفات ثمود التاريخية كما ذكرها القرآن الكريم؟
الإبن: كان قوم ثمود يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك. وهم من نسل نوح عليه السلام.
الأب: وبماذا كانوا يتميزون؟
الإبنة: كانوا يتميزن بالقوة والشدة، وكانوا ينحتون بيوتهم في صخور الوادي. (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد)
الأب: عظيم جدا، وهذا إذن دليل ساطع على حضارتهم العمرانية. (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورً)
الإبن: وأظن ان هذا أيضا دليل على منعتهم وحصانتهم العسكرية (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
الإبنة: بالطبع الى جانب قوة اقتصادية ورفاهية من العيش (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ .فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ).
الإبن: وأن دعوة صالح كانت إلى التوحيد: (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
الأم: وهناك الحجة الالهية في خطاب صالح عندما اتهموه مرّة بالجنون والخلل العقلي، ومرّة بالسحر والشعوذة وعندما كذّبوه وحقّروه فيرد على كل ذلك بقول الله تعالى، (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) وقوله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
الإبنة: وهناك أيضا حبكة المؤامرة في عقر الناقة ثم في اغتيال النبي صالح.
الإبن: وهناك تحديد لوسيلة هلاكهم بصاعقة العذاب الذي انزله الله بهم.
الإبنة: ولكن ما هي صاعقة العذاب؟
الأم: ما نستفيد منه في هذا التفصيل بالذات، أن وسيلة ابادة قوم ثمود كان في اطلاق صيحة عظيمة من السماء أرجفت الارض من تحتهم، ففاضت الارواح وزهقت النفوس وسكنت الحركات وساد الدمار الشامل كل البنيان.
الأب: لقد استعمل الله سلاح الصوت أو الموجات الصوتية الذي يجهد علماء اليوم في تطويره وجعله من أكثر الاسلحة فتكا.
الإبن: أجل يا أبي فأنا أشاهد مسلسلات تلفزيونية أجنبية تتحدث عن هذا السلاح الصوتي وتبيّن مدى قوة فتكه وشدّة تأثيره بالبشر والحجر.
الأب: صحيح. واذا أمعنّا في كلام الله وتصويره الله عز وجلّ لهذا النوع من العذاب، وكيفية تلقّيهم الاصابة، يقول تعالى (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) وهذا فعلا ما يحصل عند اطلاق هذا السلاح الصوتي، الرجفة والموت السريع.
الإبنة: سبحان الله على بلاغة القرآن انها حقا صاعقة عذاب صوتيه.
الإبن: والحمد لله على أن الله قد علّمنا في القرآن ما لم نكن نعلم.
الأم: ونستغفر الله لأن الانسان يطوّر العلم ليستخدمه في القتل والفتك والدمار.
الأب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" . لقد رحل سيدّنا صالح عليه السلام عن هذه الدنيا بعد أن أدّى الرسالة بأمانة وهمّة وصبر. فسلام عليه وعلى كل الانبياء المرسلين.. والحمد لله رب العالمين والى الغد انشاء الله.
سامي الشرقاوي
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق