الأحد، 25 ديسمبر 2016

13 قصة موسى وهارون عليهما السلام


رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الثالثة عشرة
موسى وهارون عليهما السلام

اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

قصة النبي موسى وهارون

الأب: سوف نأتي اليوم على ذكر نبي خصّه الله في آيات كثيرة من القرآن الكريم، هو سيدنا موسى عليه السلام – كليم الله، الذي بعثه الله كي يخلّص بني اسرائيل من العبودية التي كان فرعون مصر يضنينهم بها.

الأم: طلب سيدنا موسى من ربه يوم أخبره بأمر ارساله الى فرعون، ان يرسل معه اخاه هارون، فاستجاب له جلّ شأنه وجعل هارون أيضا نبيا مساعدا لأخيه موسى في مهمته التي وكّله الله بها. وفق ما ورد في القرآن الكريم ( قال رب اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي رسولا من اهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيرا ونذكرك كثيرا انّك كنت بنا بصيرا)

الابن: ولماذا طلب موسى من ربه أن يرسل معه هارون؟

الأب: اذا تمعنّا في الآية التي سردتها الوالدة، يقول سيدنا موسى (واحلل عقدة من لساني) وذلك أنه عليه السلام كان يشكو من تأتأة في الكلام بسبب لسعة في لسانه يوم كان طفلا، فخاف أن لا يفقه الناس مقالته وكان أخوه هارون بليغا فصيحا فأحب أن يسانده في مهمته الالهية.

الأم: فأجاب الله طلبه وأرسل هرون رسولاً مع موسى ووزيراً له في رسالته ومعيناً له في دعوته، قال تعالى في شأنهما: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ).

الأب: وهما ابنا عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. وأمهما يوكابد بنت لاوي عمة عمران، ولم يكن الزواج بالعمة حينئذ محرماً، ثم نزل تحريم ذلك على موسى. وهارون أسبق ميلاداً من موسى بثلاث سنين، ولهما شقيقة اسمها مريم كانت بسن الإِدراك حينما ولد موسى.

الأم: ولد سيدنا موسى عليه السلام بعد 64 سنة من وفاة يوسف، أي 425 سنة من ميلاد إبراهيم وبعد 250 سنة من وفاته، وعاش نحو 120 سنة، والله أعلم. وقبل مولد موسى كان بنو اسرائيل تحت رحمة فرعون مصر يسخرهم ويعذبهم ويستحيي نسائهم ويذل رجالهم ووصل به الحد انه أمر بقتل كل مولود ذكر لهم، لان كهنته اعلمته ان مولودا سيولد من بني اسرائيل في تلك الحقبة ويكون على يديه خلاصهم من استعباد فرعون لهم.

الأب: وفي تلك الفترة ولد موسى، فأوصى الله إلى أمه: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ). لكنها خافت عليه من فرعون وخافت عليه ان تلقيه في البحر كما اوحى الله لها. ولما لم تعرف كيف تخفي الرضيع عن عيون فرعون وخشيت افتضاح أمرها وامره، صنعت له صندوقاً يحمله في الماء، وألقته في النيل وذلك طبعا بوحي من الله جلّ شلأنه الذي أنزل على قلبها الطمأنينة وأسكن قلقها وخوفها وأذهب حزنها من هذه الفعلة التي لا يمكن لأم أن تفعلها بولد لها.

الابنة: يا ألله، لا بدّ أن أم موسى كانت شديدة الحزن والخوف في تلك اللحظة.

الأم: بالطبع ولكنها تماسكت بمشيئة الله، وطلبت من ابنتها مريم أخت سيدنا موسى أن تلحق بالصندوق الذي فيه ابنها موسى وتتبع مجراه في الماء. ولما اقترب الصندوق من قصر فرعون المشرف على النيل، هيأ له الله من يلتقطه من نساء القصر، ومريم أخت موسى تراقبه عن بعد. وقد قيل والله اعلم ان ابنة فرعون كانت تمشي على الشاطيء فالتقطت الصندوق ورأت موسى فيه فأدخلته البلاط الفرعوني، وعرضته على أمها التي ما أن وقع نظرها عليه حتى قذف الله محبته في قلبها، وكان اسمها آسية، وهي دعت الله ان يبني لها بيتا في الجنة وينجيها من فرعون وقومه. (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

الأب: أقنعت آسيا فرعون ان لا يقتله ليكون قرّة عين لها وله، وقالت له: عسى أن ينفعنا إذا كبر عندنا، أو نتخذه ولداً. وأسموه في القصر موسى أي: المنتشل من الماء. قالوا: وأصل ذلك في اللغة المصرية القديمة: موريس، أخذاً من مو بمعنى ماء و أوريس بمعنى منتشل.

الأم: وهذا ما أكدّه القرآن الكريم (يلتقطه عدو لنا وعدو له) ولكن أصبح فؤاد أم موسى فارغاً من الهمِّ والقلق على ولدها لما علمت نجاة ولدها، وتبنِّي القصر الملكي له. ولكي تقر عينها ويرجع ولدها اليها حرّم الله المراضع على موسى فلم يقبل حليب أية مرضعة، وظل يبكي ويصرخ واحتار القصر بحاله وخشوا عليه من الموت.

الابنة: الله أكبر، من حكم باعدامه هو ومن مثله الى قلق وخوف عليه ان يموت جوعا.

الابن: سبحان الله العلي العظيم.

الأب: ولما رأت أخته مريم أنهم أحبوه ورغبوا في تربيته بالقصر، وهم يبحثون عن مرضعة له، قالت لهم: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) فوافقوا، فدعت أمها، فعرضت عليه ثديها فامتصه بنَهمٍ وشوق، فاستأجروها لإِرضاعه وكفالته. وبذلك ردّ الله موسى إلى أمه كي تقرّ عينها به، ولا تحزن على فراقه، ولتعلم أن وعد الله حق، فقد رده الله إليها كما أوحى إليها.

الابنة: الله أكبر. يا سلام على رحمتك يا رب العالمين.

الأم: تمت مدّة رضاع موسى ونشأ في القصر الفرعوني وتربى فيه، حتى بلغ أشُدَّه وصار يشرف على اعمال والده الفرعون ويديرها، وقد آتاه الله صحة وعقلاً، وقوة وبأساً. كما آتاه حكماً وعلماً. ولكنه ظل على صلة بأمه ومرضعته وعرف منها انه ابنها وانه من بني اسرائيل الذين يضهدهم ويسخرّهم فرعون وجنوده.

الأب: لكن موسى لم يشأ ان يدري فرعون انه قد عرف سر ولادته وان فرعون ليس والده، واستغلّ مكانته في القصر الفرعوني، وراح يعمل على تخفيف الاضطهاد عن بني إسرائيل، ويدفع عنهم الظلم بقدر استطاعته، فصار الإِسرائيليون في مصر يستنصرون به في كل مناسبة. وفي أحد الايام كان يسير في شوارع المدينة، فوجد رجلين يقتتلان، أحدهما من قومه. فلما رآه اليهودي استغاث به، فجاء موسى وكان قوياً شديد البنية والبأس فأخذ بجمع يده فوكز الرجل وكزة قضت عليه، فلما رآه قتيلاً بين يديه- ولم يكن يريد قتله- قال: (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين) ورجع يستغفر الله مما فعل.

الأم: وفي اليوم التالي، وبينما هو في طريقه إذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه مرة ثانية، فأقبل عليه موسى وقال له: (إنك لَغَوي مبين)، أي صاحب فتن ورجل مخاصمات، ومع ذلك أخذته حماسة الانتصار للإِسرائيلي، فأراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما، لكنّ اليهودي ظن أنه يريد أن يبطش به فقال له: (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِين).

الأب: فضح اليهودي امره وعرف الناس أن موسى هو الذي قتل الرجل بالأمس. وشاع الخبر ووصل إلى القصر الفرعوني، فقرروا محاكمة موسى والقصاص منه، وكان الملأ قد عرفوا ان موسى ليس ابن فرعون وانه من بني اسرائيل. وكان من بين رجالات القصر رجلا يحب موسى فهرع اليه يعلمه ان فرعون قد اصدر قرارا باعتقاله وقتله ونصحه ان يهرب من المدينة. (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين).

الأم: عمل موسى بنصيحة الرجل، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، وهو يقول: (ربّ نجني من القوم الظالمين). واتجه إلى جهة بلاد الشام تلقاء مدين، وسار بلا ماء ولا زاد، وكان يقتات بورق الأشجار، حتى وصل إلى مدين بعد رحلة شاقة، فلما ورد ماءها وجد عليه رجالا يسقون، وامرأتين تذودان أغنامهما عن الماء، منتظرتين حتى يتم الرعاة الأقوياء سقيهم. فسألهما موسى لماذا لا يقربون البئر قالتا له: (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ)، أي عندما يملأ كل الناس وينتهون ويرحلون. وأخبرتاه أنهما ابنتا شيخ كبير عاجز ولا يوجد في البيت غيرهما كي يقوم بهذه المهمّة. فنهض موسى وسقى لهما، وانصرفتا شاكرتين له، وجلس موسى يناجي ربه ويطلب منه ان يهديه وينير طريقه ويخفف عنه شقائه.

الأب: عجب أبو البنتين الشيخ الكبير من عودة ابنتيه مبكرتين على غير عادة، فقصتا عليه قصة الرجل الغريب الذي سقى لهما، فأمر إحداهما أن تعود إليه، وتبلغه دعوة أبيها ليجزيه على عمله. فجاءته تمشي على استحياء، قالت: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا). فلبى موسى الدعوة، وسار مع ابنة الشيخ، قالوا: وقد طلب منها أن تسير خلفه وتدله على الطريق، لئلا يقع بصره على حركات جسمها، وذلك عفة منه.

الابنة: الله أكبر. انها العفة بذاتها حقا.

الأب: دخل موسى على الشيخ الكبير، فرحّب به، وقدّم له الطعام والشراب، وسأله عن قصته، فأخبره موسى بكل ما جرى له فقال الشيخ (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

الابنة: وهل هذا الشيخ الكبير هو النبي شعيبا كما عرفنا من قصة النبي شعيب وقوم هود.

الأب: ذكر كثير من المفسرين والمؤرخين أن هذا الشيخ الكبير هو شعيب عليه السلام، وهو لا بد أن يكون إما شعيباً أو أحد أقاربه من سلالة مدين، أو أحد المؤمنين الذين نجوا مع شعيب بعد إهلاك أهل مدين.

الأم: وقالت إحدى البنات لابيها (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، فعرض الشيخ على موسى الزواج من إحدى ابنتيه اللَّتين سقى لهما. وقال: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ}. ولكن ذلك بشرط أن يكون مهر ابنته أن يخدمه ثماني سنين، وان خدمه عشر سنين يكون فضلا من عنده ومنّة عليه. وافق موسى، ونجز العقد مع الشيخ، فقال: (ذلك بيني وبينك أيَّما الأجلين قضيتُ فلا عدوان عليّ والله على ما نقول وكيل). وتمت المصاهرة بينهما، قالوا: واسم ابنة الشيخ التي صارت زوجاً لموسى "صفورة" والله اعلم.

الأب:  لبث موسى عند في مدين يخدم الشيخ حتى اوفى المدة. وقد ولدت له امرأته "صفورة" في مدين ولداً سماه "جرشوم" ومعناه: غريب المولد. ثم ألهم الله موسى أن يعود بأهله إلى مصر، وعزم على المسير واستعد له، ولما أراد الفراق سأل الشيخ أن يعطيه من غنمه ما يعيشون به، فأعطاه ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون والشاة القالب لون هي التي على غير لون أمها. وقد روي عن الرسول صلّى الله عليه وسلم انه قال في هذا الذكر: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه فولدت قوالب ألوان كلها، وولدت اثنتين أو ثلاثاً كلُّ شاة، وليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا كميشة تفوت الكف ولا ثغول". أي: جاءت على غير ألوان أمّهاتها سالمة من العيوب. والله أعلم.

الأم: سار موسى بأهله من أرض مدين قاصدا مصر، ولما بلغ إلى قرب جبل الطور ضلَّ الطريق في ليلة باردة. وكانت امرأته حاملاً فاشتد عليها الضعف والبرد، واحتار موسى كيف يصنع نارا كافية لتدفئتها والحطب بين بيديه قليل ولا يكفي. وبينما هو كذلك إذ رأى من جانب الطور ناراً، فقال لأهله: (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)، أي: إمّا شعلة نار أو من يدله على الطريق إلى مصر.

الأب: فلما أتى موسى النار من جانب الشجرة المباركة، سمع نداء: (يا موسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى). هنا أوحى الله له ما أوحى، وكلّفه أن يحمل الرسالة إلى الطاغي فرعون، وحمّله ايات معجزات كي يستخدمها لاقناع فرعون مصر وقومه بالايمان وترك الكفر وتحرير بني اسرائيل من العبودية والسماح لهم بالخروج من مصر.

الابنة: هذه الآيات المعجزلت هي العصا التي تحولت الى ثعبان وتغيير لون اليد م غير سوء اليس كذلك؟

الأب: اجل انما العصا لم تكن فقط من اجل تحويلها الى ثعبان ولكن موسى استعملها ايضا في باقي المعجزات التي ارادها الله ان تكون عذابا لفرعون وآله.

الأم: ولكن سيدنا موسى الذي فاجئه الحدث، طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له سندا، لأنه أفصح منه لساناً، وقال موسى: (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي - وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي). فقال الله له: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ). وحمل موسى الرسالة، ومعه المعجزات، ودخل مصر وذهب الى أهله الذين أرهقهم الحزن على فراقه وفرحوا بلقياه بعد غيبة عشر سنين. فأخبرهم بما حصل له، وقال لهارون ان الله اختارهما وخصّهما بإبلاغ الرسالة الى فرعون.

الابن: وما معنى قوله تعالى ( هي عصاي اتوكأ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)؟

الأب: كما قلنا سابقا، أن موسى كان يضرب بعصاه الشاة فتلد أنواع متعددة من الغنم. والظاهر والله أعلم أن شيئا غير عادي كان في العصا قد عرفه موسى واستخدمه ليزيد في غنمه. ولكنه فوجيء بأنها تتحول الى ثعبان.

الابن: وماذا عن أمر اليد؟

الأب: ثم قال له تعالى بعد موقف العصا والثعبان، ( واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى) وهنا يعلمنا الله جل شأنه ان سيدنا موسى كان داكن البشرة، فلما وضع يده تحت أبطه خرجت بيضاء، ولكن ليس من مرض، أي ليس فيها أي سوء. فالله يريد أن يظهر لموسى عليه السلام مدى قوّته وتحكّمه بالاشياء.

الأم: سرد القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين سورة حياة موسى من ولادته ونشأته، وفراره من مصر، ودخوله أرض مدين، وزواجه ابنة شيخ مدين، وعودته إلى مصر، وتكليم الله له في جانب الطور، وتحميله الرسالة، ودعوته إلى فرعون وملئه، والمعجزات التي جرت في حياته، وخروجه من مصر ببني إسرائيل، ونجاتهم بالمعجزة، وغرق فرعون وجنوده في البحر، ونزول التوراة عليه والصحف، وعبادة قومه العجل، وسائر الأحداث الهامة التي جرت في حياته مما يدلنا على مدى أهمية رسالته عليه السلام.

الأب: وسوف نحاول أن نروي قصة لكل مرحلة من حياته عليه السلام، لبالغ اهمية هذا النبي الكريم الذي خصص له رب العالمين موضعا واسعا في القرآن الكريم، وسرت حوله الروايات والقصص، وكان سببا في تخليص اليهود من الذل والعبودية وسببا في تقسيمهم عدة فرق وقد جهد في محاولة ادخالهم الى الارض المقدسة عند بيت المقدس.

الابنة:  ولكن قبل هذا اريد ان اعرف قصة التأتأة عند سيدنا موسى، ولماذا كان فيه هذه العلّة؟

الأم: شاء الله أن يربي نبيه العظيم، في حضن أعدى أعدائه (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً). وبقي موسى في حجر فرعون، يرعاه ويربيه وينظر إليه نظرة الأب إلى ابنه. وفي ذات يوم  كان فرعون يلاعب موسى وكان طفلا يدبدب على الارض، فوثب موسى على لحية فرعون وافتلع منها بعض الشعيرات ولما انبه لطم موسى فرعون على وجهه. فهمّ فرعون بقتله! قالت آسية ـمتشفعةً : إنه غلام حدث ما يدري ما يفعل.. فقال فرعون: بلى يدري. قالت آسية: فامتحنه: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما، فافعل ما تريد.

الأب: أمر فرعون بأن يوضع أمام موسى طبقاً من تمر وكانوناً من جمر.. فمدّ موسى يده إلى الجمر، ووضعه في فمه.. فاحترق لسانه ويده، وبكى بكاءً مراً! فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك: إنه لا يعقل. فعفا فرعون عنه.. ومن يومها كان سيدنا موسى لا يستطيع النطق السليم.

الابن: سبحان الله، ولماذا شاء الله ذلك؟

الأب: كل شيء يقضيه الله هو لحكمة من عنده، ويقال أنه عندما وضع فرعون الجمرة والتمرة أنزل الله ملاكا من عنده أخذ بيد موسى وأرساها على الجمرة، فلما وضعها في فمه، أراد هذا المكان أن يشفي الحرق في فم موسى ويلغي ما يرتب عليه من آثار، فشفى الحرق ولغى آثاره ولكن ليس بالكامل، فظلّ عند موسى لثغة في الكلام، ويجوز والله أعلم أن الله عوضّه عن ذلك تعويضا عظيما بأن كلّمه مباشرة من غير وحي وأصبح سيدنا موسى هو كليم الله، والله أعلم.

الابن: الله أكبر، حكمته غلبت كل شيء.

الابنة: وما قصّة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، ومن هو الخضر؟.

الأم: سيكون لنا ان شاء الله يوما مع قصة الخضر. يذكر المؤرخون ان الخضر عليه السلام هو نبي كريم ما زال يعيش بيننا وقد ظهر لكل نبي ورسول. وهو محجوب عن الأبصار وعنده سر الاسرار. وسمّي الخضر لأنه صلّى على سجادة بيضاء فانقلبت خضراء والله أعلم.

الأب: والظاهر أن الله اعطى الخضر علما ومعرفة لم يعطها لاحد حتى لانبيائه ورسله. فلما سمع موسى عنه اشتاقت نفسه لتحصيل علم ما لم يعلم وللقاء من قال الله فيه إنه أعلم منك، فسأل موسى ربه أن يريه إياه، فأوحى إليه أن ائت البحر فإنك تجد على شاطئه حوتاً - أي سمكة -، فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطئ البحر. فإذا نسيت الحوت فعلم انها اشارة من الله وانك ستجد الخضر في المكان الذي نسيت فيه الحوت  عند مجمع البحرين.  فزاد تشوق موسى للقاء هذا العالم. وهيأ نفسه لتحمل التعب الشديد والعناء العظيم في السفر لأجل طلب العلم.

الأم: (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ ِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فلما التقى موسى عليه السلام بسيدنا الخضر عليه السلام سأله أن يعلّمه من ما علّمه الله، فقال الخضر لموسى: إنك لن تستطيع معي صبرًا، ولو أنك صحبتني سترى ظواهر عجيبة وأمورًا غريبة. فقال موسى وكان حريصًا على العلم توّاقًا إلى المعرفة: (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) فأشترط عليه الخضر إن صحبه أن لا يسأله عن شىء حتى ينقضي الشرط وتنتهي الرحلة وسيبيّن له بعد ذلك ما عجز عن فهمه ولم يصطبر على ما قام به الخضر من اعمال وافعال. (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا).

الأب: وبينما هما في السفينة فوجىء موسى بأنّ الخضر خلع لوحين خشب من ارض السفينة فقال له ما أخبر ربنا عنه في القرءان: (قَالَ أَخَرَقْتَهَالِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً). فذكّره الخضر بالشرط والعهد فاعتذر منه. وبينما هما على السفينة إذ جاء عصفور فوقع على حرفها وغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما نقر هذا العصفور من البحر".

الأم: ولما غادرا السفينة تابعا المسير فوجدا غِلمانًا وفتيانًا يلعبون فأخذ الخضر واحدًا منهم إلى مكانٍ بعيد عن الانظار وقتله فقال له موسى كيف تقتل نفسا بغير حق، هذا فعل شنيع وجريمة لا تغتفر. فقال له الخضر لكل هدوء (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً). فوعده موسى ان لا يساله عن شيء بعد ذلك فإن سأله يكون ذلك نهاية الطريق بينهما ويكوت حقا انه لا يستطيع الصبر ولا يعرف من الامور شيئا.

الأب: أكمل موسى والخضر عليهما السلام طريقهما وانطلقا حتى أتيا قريةً وكان أهلها بخلاء لا يضيفون الضيف، فطافا في المجالس وطلبا طعامًا فلم يقدّم أهل القرية لهما شيئًا وردّوهما. فخرجا جائعين وقبل أن يجاوزا القرية وجدا جدارًا يتداعى للسقوط ويكاد ينهار فرفعه الخضر بمعجزةٍ له بيده ومسحه فاستقام. فاستغرب موسى وقال عَجَبًا أتجازي هؤلاء القوم الذين أساءوا اللقاء بهذا الإحسان لو شئت لأخذت على فِعْلِك هذا أجرًا منهم نسدّ به حاجتنا. فقال الخضر وقد تيقّن أنّ موسى عليه السلام لن يستطيع بعد الآن صبرًا: هذا فِراق بيني وبينك.

الأم: قال الخضر لموسى بِما أخبر الله تعالى به في القرءان العظيم: (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً). أما السفينة التي خرقها فكانت لمساكين يعملون في البحر فيصيبون منها رزقًا، وكان ورائهم قرصان فاجر يسرق السفينة الصالحة ويترك التي فيها خلل وعيب. فأظهر الخضر فيها عيبًا حتى إذا رآها القرصان تركها للعيب الذي فيها وبقيت لهم. وأما الغلام الذي قتله الخضر فكان كافرًا وأبواه مؤمنين، وكان يسيء اليهما وهما يتحملان ذلك لانه ابنهما الوحيد، وقال الخضر كرهت أن يحملهما حبّه على أن يتبعاه في كفره فأمرني الله أن أقتله واراد ان يرزقهما ولدا آخر يكون بارا مؤمنا. وأماالجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وتحت الجدار كنْزٌ لهما ولو سقط الجدار لضاع ذلك الكنْز فأراد الله إبقاءه حتى يكبر اليتيمان ويكتشفان كنزهما.

الابنة: لقد وعدتنا يا والدي أن تروي لنا قصة لسيدنا موسى شبيهة بقصة سيدنا ادريس عندما غضب على أهل المدينة وسأل الله أن يحبس عنهم المطر.

الأب: أجل وسأفي بوعدي. يُروى أن قارون وهو أحد أغنى أغنياء التاريخ، كان من قوم موسى ولكن ليس من أتباعه. وكان دائم التباهي بماله وعمرانه وثرائه. وكان شديد الكراهية لسيدنا موسى. فتآمر يوما مع احدى بنات الهوى أن تتدّعي أن موسى أمضى ليلة معها في البغاء، وهو الذي يتحدّث عن العفّة والاستقامة. فخرجت المرأة الى الناس، وقالت لهم ما علّمها قارون أن تقول. فحصل هرج ومرج. ولمّا جاء موسى واجه المرأة وسألها اذا كان ما تقوله وتدّعيه صحيح. فلم تستطع المرأة الكذب أمامه فاعترفت ان كل ما قالته سابقا عن موسى هو كذب وتلفيق وأنها لا تعرف موسى ولم تلقاه يوما. كما اعترفت ان قارون هو الذي دفع لها المال حتر تقول ما قالته.

الابن: ما هذه المؤامرة القذرة؟

الأب: غضب موسى لمّا سمع من المرأة، وكان سريع الغضب، فدعا ربّه أن يعينه على القضاء على قارون. فأوحى له الله انه سخّر له الارض تطيعه في كل ما يأمرها به. فتوجّه موسى الى بيت قارون وواجهه، ثم أمر الارض ان تخسف بقارون وأهله وداره. ففعلت

الابن: الله أكبر

الأب: ثم كرر الامر ان تخسف الارض بقارون وداره وأهله. ففعلت وراحوا يغرقون أكثر في الارض. فتوسلّ اليه قارون ان يعفو عنه، ولكن موسى مضى في تكرار الامر الى الارض وهي تطيعه وقارون يبكي ويتوسل ويقول لموسى لقد ندمت وتبت فاعفو عني. ولكن سيدنا موسى أبى ان يعفو عنه وظل يأمر الارض حتى دفنته في بطنها هو وأهله وداره.

الابنة: ولكن هذه قسوة شديدة يا والدي ولا بتطلب ما فعله قارون هذا النوع من الانتفام .

الأب: أجل لذلك فقد عاتبه الله جل جلاله قائلا : ما هذه القسوة يا موسى. وكم انت جبار يا ابن آدم. وعزتي وجلالي لو استجار بي لأجرته.

الابن: الله أكبر... لقد نسي ان يستجير بالله واستجار فقط بموسى.

الابنة: ما ارحمك يا الله وما أجبرك يا انسان. دعنا نتابع القصة يا والدي

الأب:  لما ذهب موسى وهرون الى فرعون لتبليغه رسالة الله بأن يؤمن ويسمح لبني اسرائيل بالخروج من مصر تكبَّر فرعون وعاتب موسى وذكره بانه ربي عنده وأحسن إليه، ثم كيف قتل الرجل وفر من مصر هربا من العقاب. فاعترف موسى بجريمته وقال انه فعلها عن طيش وقد تاب الى الله فعفا عنه وهداه الى الايمان. ورفض ان يمن عليه فرعون بشيء وقال له ان الجريمة الكبرى هي استعباد بني اسرائيل وقتل اطفالهم واغتصاب نسائهم. جحد فرعون وجود الله تعالى وصنعه وخلقه وزعم انه هو الرب و الاله (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي). واستمرّ على طغيانه وعناده وكفره. فلما قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهته ولم يبق له سوى العناد وهدد موسى (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَ غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ).

الأم: ولكن موسى عليه السلام جابهه قائلا، (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ)، فتحدّاه فرعون ان يأتي بأي برهان يدل على صحة اقواله.  فألقى سيدنا موسى عصاه لتتحول الى افعى عظيمة، ووضع يده تحت ابطه وأخرجها بيضاء أمام الجمهور الذي كان حاضرا المناظرة بين فرعون وموسى. ولكن فرعون لم يقتنع. بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، كي يواجهوا موسى بالسحر امام اهل المدينة. وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة محترفون.

الأب: تقدّم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعظهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل ويفتروا على الله بالكذب فيسحتهم بعذاب عظيم. فاختلفوا فيما بينهم واظهر بعضهم ايمانا به وبرسالته، لكنهم قرروا ان يواجهوه بالسحر. وهنا بدأت المبارزة بين سيدنا موسى وبين السحرة. فألقوا حبالهم وعصيهم فخيّل للناس منن سحرهم انها افاعي تسعى.

الأم: كان اهل مصر معروفين بعلم الكيمياء وكانوا يتقنوه اتقانا جيدا. ويقال انهم أغرقوا الحبال والعصيّ بالزئبق وغيره من المواد التي تضطرب وتتوهج فيخيل للرائي أنها تتحرك. وقد خاف سيجنا موسى من هذا المشهد، فثبّت الله قلبه، وشجّعه وأمره أن يلقي عصاه كي تأكل ما صنعوا. وهكذا ظهر الحق بإذن الله لوخرّ السحرة ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين انهم قد آمنوا برب موسى وفرعون. ففقد فرعون صوابه لما اشهر السحرة ايمانهم، واتهمهم بأنهم تآمروا مع موسى عليه وانهم تابعين له من الاساس وهو كبيرهم في السحر. وهددهم بتقطيع ايديهم وارجلهم وصلبهم جميعا ان لم يرجعوا عن ايمانهم.

الأب: ولكنهم ثبتوا على ايمانهم وطمعوا ان يغفر الله لهم ويسامحهم. ولكن فرعون ثبت على كفره وعناده وحرضه اعوانه على اذية موسى وعدم تصديقه وعلى قتل غلمان بنى اسرائيل الذين آمنوا زيادة فى اذلالهم و مهانتهم. ولكن الله فأخذهم بالسنين آيات مفصلات (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) غير انهم أمعنوا في كفرهم وفي تسفيه موسى عليه السلام.

الابن: ما معنى السنين.. هل هي الاعوام؟ وما هي الآيات المفصلات؟

الأب: السنين تعني القحط وانقطاع الخير بانقطاع المطر الذي هو اساس الزرع والثمر. ولكنهم امعنوا في كفرهم واصرارهم على تكذيب موسى، فأرسل عليهم الطوفان ثم الجراد ثم القمل ثم الضفادع ثم الدم آيات مفصلات (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ). وهي الايات التي تفصل بين السحر وبين المعجزة، لأن فرعون ادعى ان العصا واليد من السحر، فأنزل الله عليهم الكوارث الطبيعية من معجزات تكوينه. والله اعلم

الأم: فأرسل الله الطوفان ففاض النيل واغرق الارض ثم ركد. فلم يستطيعوا الزرع والحراثة حتى جهدوا جوعاً. فتوسلوا الى موسى ان يرفع عنهم هذا العذاب وسيطلقون بني اسرائيل. فدعا ربه فكشفه عنهم فلما لم يفوا بشيء فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر حتى أنه كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، والله اعلم. فقالوا له مثل ما قالوا من قبل. فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم القمل، حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار. ثم أرسل عليهم الضَّفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه. ثم حول الله مياه نهر النيل الى دم كلما اغترفوا ليشربوا او يغتسلوا او يسقوا وجدوا بدل الماء دما.

الأب: ولما تمادى فرعون وآله بكفرهم وعتوهم وعنادهم ومخالفة موسى، قرر الله جل جلاله ان يقضي امره فيهم ويغرقهم في اليم. وحدد موعدا للقضاء عليهم وهم سيذهبون الى قدرهم والى الموت بأرجلهم وبارادتهم. فأوحى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتاً متميزة فيما بينهم عن بيوت اتباع فرعون ليكونوا على أهبة من الرحيل. ويقال ان في الليلة الموعودة للخروج من مصر حصل رعبا شديدا في قلوب جنود فرعون فلزموا بيوتهم وثكناتهم ولم يستطيعوا مراقبة بني اسرائيل الذين قادهم موسى تلك الليلة وخرج بهم من مصر. غير أن فرعون عندما دري بالامر لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس على ضفاف البحر الاحمر. فخاف أصحاب موسى لعلمهم ان فرعون وجنوده حاصروهم من البر وهم لا يمكنهم ان يعبروا البحر.

الأم: فقال لهم موسى (كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي) ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه وهو يقول: هاهنا أمرت فيقولون لموسى عليه السلام: يا نبي الله أههنا أمرت. فيقول نعم. ولما اشتد الأمر وضاق الحال واقترب فرعون أوحى الله إلى موسىانن يضرب بعصاه البحر فانفلق فلقتين كل فلقة كجبل عظيم. وأمر الله موسى أن يعبر ببني إسرائيل فانحدروا داخل البحر المشقوق مسرعين مستبشرين مبادرين فلما جازوه وجاوزوه وخرج أخرهم منه وانفصلوا عنه بان لهم طليعة جيش فرعون.
فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال كما قال تعالى (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا) أي ساكنا على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة . فلما تركه على حاله وكان فرعون قد وصل وشاهد هذا المشهد العظيم، أيقن أن هذا من فعل رب القدرة فأحجم ولم يتقدم ، لكنه أظهر لجنوده تجلّداً، وحملته النفس الكافرة على ان يعبر بجنوده مثل بنى اسرائيل.

الأب: عند ذلك أمر الله تعالى موسى أن يضرب بعصاه البحر فارتطم البحر على فرعون وجنوده وعاد كما كان فلم ينج منهم إنسان ولا حيوان. عندها أيقن فرعون من غرقه آمن بالله الواحد الأحد كما قال تعالى (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائِيلَ) الا ان الله شاء ان ينجي فرعون ببدنه. بعد كل هذا سأل بنو اسرائيل موسى أن يجعل لهم آلهة يتعبدونها ويتباركوا بها. فنهرهم وغضب منهم وأبلغهم أن الذين يعبدون الاصنام انما يعبدون الشيطان وسيلقون جزاءهم عند الله.

الأم:  ثم انّ موسى عليه السلام ذهب الى ميقات ربه و استخلف أخاه هارون على بني اسرائيل. فلما استكمل أربعين ليلة. وأعطاه ربه التوراة وفيها مواعظ عن الآثام، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام. وزاده شرفا ان كلّمه تكليما. وأمره أن يحمل الالواح ويدعو الى تنفيذها بثبات وقوة.

الابنة: الالواح هي التي كتبت عليها الوصايا العشرة اليس كذلك؟

الأب: تعرف في كتاب العهد القديم عند اليهود بالوصايا العشرة، والقرآن وصفها بأنه كتب فيها تفصيل من كل شيء.

الأم: حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه صاغ رجل من بني اسرائيل يقال له هارون السامري، عجلاً اجوف مطليا بالذهب كان كلما وجهه ناخية البحر ودخلت الرسح فيه سمع لها صوتا كأنه الخوار. واهوهم السامري انه اله ويجب عليهم عبادته وتقريب القرابين له. وقال لهم ان موسى ذهب للقاء ربه ونسي انه موجود هنا.

الأب: ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، غضب والقى الألواح وأقبل عليهم فعنّفهم ووبّخهم ثم أمسك بلحية أخيه هارون عليه السلام قائلاً له (يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي). فقال له هارون يا اخي لا تحمّلني ذنب هذه الفعلة، لقد كنت وحيدا وهم كثرة فاستضعفوني، وحاولوا قتلي عندما أردت نهيهم عن فعلتهم، فلا تشمتهم بي وتحسبني مثلهم كافرا. فرجع موسى عن غضبه من أخيه (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). واستغفر ربه على تسرعه واستغفر لاخيه لانه لم يقدر على منعهم.

الأم: ثم عمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحرقه ثم رماه في البحر. ولما استيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، قالوا يا موسى سل لنا ربك يفتح لنا باب التوبة. وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم، واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا، ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجهاً نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمر به من الوظائف فقالوا: انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل، والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

الأب: ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها قوما جبارين من الحيثانيين و والكنعانيين وغيرهم. فأمرهم موسى عليه السّلام بالدّخول عليهم ومقاتلتهم وإجلائهم عن بيت المقدس، فخافوا منهم وابوا ان يقاتلونهم واصرّوا انهم لن يدخلوا الارض (المقدسة) حتى يخرج منها هؤلاء. وقالوا لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون. خذلوه وسخروا منه بعد كل الذي عاناه سيدنا موسى معهم وبعد ان خلصهم من العبودية وجاء بالمعجزات ليثبت ايمانهم، وطلب من ربه ان يتوب عليهم عدة مرات. لم يجد سيدنا موسى عذرا لهم عند الله، فتوجه الى ربه خجلانا وقال انه لم يعد يملك الا نفسه واخيه هارون وسأله ان يبعدهما عن اولئك القوم الظالمين. فضيعهم الله في الصحراء فتاهوا بها وكانوا يسيرون فى الأرض لا يعرفون وجهة ولا يصلون الى مدينة او قرية.

الأم: يذكر الله تعالى أنه أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس فيها زرع ولا ضرع، منَّاً من السماء فيعجنوه كالخبز ليأكلوا ويشبعوا، وهو في غاية البياض والحلاوة، فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى، فيقتنصون منها بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشائهم. وكان في الحر الشديد يظللهم الله بالغمام، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ. وأمر موسى فضرب بعصاه، فانفجرت اثنتا عشرة عيناً، في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها. وعندما طلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة مجاهدين في سبيل الله قالوا له (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)!!

الأب: ثم أوحى الله إلى موسى أني متوفٍ هارون، فأتِ به إلى جبل كذا وكذا فانطلقا نحوه، فإذا هما بسرير فناما عليه، وأخذ هارونَ الموتُ ورُفع إلى السماء. فاتهمه بنو اسرائيل أنه قتل هارون لانهم لم يروا جثته ميتا. فلما أكثروا عليه سأل الله، فأنزل السرير وعليه هارون، وقال لهم: إني مت ولم يقتلني موسى، وكان عمر هارون حين توفي 122 سنة. والله اعلم

الأم: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها. فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، فردّ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: اذا اردت الحياة فاقبض ما تستطيع من شعر من ظهر نعجتك، فكل شعرة تقبضها في يدك تزيد سنة في عمرك. قال سيدنا موسى لملك الموت ثم ماذا؟ قال ثم تموت، قال: فخذني الان اذن، وتوجّه الى ربه قائلا: ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".

- وهكذا نكون اتممنا ايجاز ما ورد عن حياة سيدنا كليم الله موسى عليه السلام ولنا غدا انشاء الله لقاء مع نبي آخر من انبياء الله.

 سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: