رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة التاسعة
اسحق و يعقوب عليهما السلام
اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه
قصة النبي اسحق عليه السلام
الأب: في هذه الليلة سوف نروي قصة النبيّين اسحق ويعقوب عليهما السلام، ولقد جمعناهما سويا لأنه لا يوجد الكثير عن حياة اسحق غير الذي ورد ذكره في القرآن من انه بشارة سيدنا ابراهيم من الله العلي القدير وما ورد في الكتب المقدّسة عن نقله النبوة خطأ الى ابنه يعقوب.
الأم: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ - إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ - وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ). ويترجّح أن اسحاقا كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام وفلسطين"، في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.
الإبنة: وماذا تعني الآية (إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)
الأم: تعني هذه الآية والله أعلم أن الله جلّ وعلا قد استخلص هؤلاء الانبياء لنفسه وهم ابراهيم وابنه وحفيده، ونزع من قلوبهم حب الدنيا مع أنّهم أنجبوا سلالات من الملوك والانبياء والرسل، وأخلص قلوبهم لحب الآخرة، فجعل دار الآخرة خالصة اليهم.
الأب: لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر 100 سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام. وأوصى إبراهيم ابنه اسحق أن لا يتزوج إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا مقيمين في أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه السلام "رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا إبراهيم عليه السلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.
الأم: وقد قصّ الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، حول إثبات نبوّته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع. وأنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه.
الأب: وقبل ذلك أعلمنا الله في كتابه الكريم، أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم سارة، فلما سمعت البشرى قالت: (يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب؟!). وهو أبو يعقوب الذي اسمه أيضا إسرائيل والذي يرجع إليه نسل بني إسرائيل.
الأم: ذكره الله في القرآن بأنه أيضا "غلام عليم" وذلك حين بشّر الملائكة ابراهيم به (فأوجس منهم خيفة قالوا:لا تخف وبشرناه بغلام عليم ، فأقبلت امرأته في صرّة فصكّت وجهها وقالت عجوز عقيم )، وقد جعله الله نبيا يهدي الناس إلى فعل الخيرات، جاء من نسله سيدنا يعقوب.
الأب: كان ميلاده حدثا خارقا، بشّرت به الملائكة، وورد في البشرى اسم ابنه يعقوب.. وقد جاء ميلاده بعد سنوات من ولادة أخيه إسماعيل.. ولقد ابتهج وفرح قلب سارة بمولد إسحق ومولد ابنه يعقوب، عليهما الصلاة والسلام.. غير أننا لا نعرف كيف كانت حياة إسحق، ولا نعرف بماذا أجابه قومه.. كل ما نعرفه أن الله أثنى عليه كنبي من الصالحين.
الأم: ولما جاءت الملائكة إلى إبراهيم استقبلهم وأجلسهم في المكان المخصّص للضيافة، وهو لا يدري انهم ملائكة، ثم أسرع لإعداد الطعام على انهم ضيوف اغراب يقصدونه، وقد كان إبراهيم رجلاً كريمًا جوادًا. فجاء بعجل سمين، وقرّبه إليهم، فلم يأكلوا أو يشربوا أي شيء، فخاف إبراهيم -عليه السلام- منهم، وظهر الخوف على وجهه، فطمأنته الملائكة، وأعلموه بحقيقة امرهم، وبشّروه بغلام عليم..
الأب: وكانت سارة زوجة إبراهيم تسمع كلامهم من خلف الجدار، فأقبلت إليهم، وهي في ذهول مما تسمعه، وتعجبت من بشارتهم، فكيف تلد وهي امرأة عجوز عقيم، وزوجها رجل كبير، فأخبرتها الملائكة بأن هذا أمر الله القادر على كل شيء.
الأم: وبعد فترة ظهر الحدث المنتظر والمعجزة الإلهية أمام عين إبراهيم وزوجته؛ حيث ولدت سارة غلامًا جميلاً، فسمّاه إسحاق، والقرآن الكريم لم يقص علينا من قصة إسحاق -عليه السلام- إلا بشارته، وكذلك لم يذكر لنا القوم الذي أرسل إليهم. وقد أثنى الله -عز وجل- عليه في كتابه الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار. إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار).
الأب: كما أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسحاق، فقال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام). ورزق الله إسحاق ولدًا اسمه يعقوب، ومرض إسحاق ثم مات بعد أن أدَّى الأمانة التي حملها. قال الله تعالى: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ).
الأم: وروي أن اسحاقا لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة، وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت، فولدت غلامين توأمين أولّهما اسمه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم. والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسمّوه "يعقوب" وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل.
وقيل ان إسحاق كان يحب عيصو أكثر من يعقوب، لأنه بكره، وكانت أمّهما رفقا تحبُّ يعقوب أكثر لأنه الأصغر.
الأب: فلما كبر إسحاق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاماً، وكان يحبّ أن يأكل الطعام الذي يعدّه له العيص وكان يحب منه حساء كان العيص يتفنن في طبخه ويمزج فيه أنواعا مختلفة من البهارات. فلمّا أمره والده أن يذهب فيصطاد له صيداً، ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له أطاع العيص أمر والده على الفور وذهب للقنص، وكان صيادا ماهرا.
الأم: لمّا اطمّانت رفقة زوجة اسحق أن العيص غادر للصيد، وهي تعرف أن رحلة الصيد تطول عدة ايام، أمرت ابنها يعقوب أن يذبح جَدْيَيْنِ من خيار غنمهِ ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه، ويأتي إليه به قبل رجوع أخيه من الصيد. وكان في خاطر رفقة أن يخصّ اسحق ابنه يعقوب بدعوة النبوة بدل العيص، وقامت فألبسته ثياب أخيه، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين، لأن العيص كان أشعر الجسد، ويعقوب ليس كذلك.
الإبن: أف – ما هذه الحيلة وكيف لم يعرف بها اسحق؟
الأم: أولا لأن اسحق كان معظم وقته في غيبوبة ولا يدري بما يحيط به وهو أعمى ومشرف على الموت ومسلّم أمره لله. وثانيا لحكمة من الله لا يمكن لأحد أن يعرف كنهها.
الأب: فلمّا جاء يعقوب بالطعام وقرّبه إلى والده سأله اسحق: من أنت قال يعقوب: ولدك، فضمّه إليه وجسَّه وجعل يقول: أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجُسُّ والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً، وكلمته عليهم وعلى الشعوب من بعده، وأن يكثر رزقه وولده.
الأم: فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقرّبه إليه، فقال له: ما هذا يا بني؟ قال: هذا الطعام الذي اشتهيته. فقال: أما جئتني به قبل السّاعة وأكلت منه ودعوت لك؟ فقال: لا والله.
الأب: فعرف العيص أن أخاه قد سبقه إلى ذلك، فحزن حزنا عميقا، وغضب غضبا عظيما، وتوعّد يعقوب بالقتل بعد وفاة والدهما. ثم سأل أباه أن يدعو له هو أيضا، فقال له اسحق: أمّا دعوة النبوة فقد سبقت لأخيك لحكمة أرادها الله، وأمّا أنت فسأخصّك بدعوة أخرى. فدعا له الله أن يجعل لذرية العيص معظم الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم.
الأم: ولمّا سمعت الأم ما يتواعد به العيصُ أخاه يعقوب، طلبت منه أن يذهب إلى أخيها "لابان" الذي يسكن بأرض حرّان، وأن يبقى عنده إلى حين يسكن غضب أخيه، ونصحته أن يتزوج من بناته، وسألت زوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل. فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم الى خاله.
الأب: قيل إن إسحاق عليه السلام عاش مائة وثمانين سنة ومات في حبرون وهي قرية في فلسطين هي مدينة الخليل اليوم حيث كان يسكن إبراهيم عليه السلام، ودفنه ابناه العيص ويعقوب عليهما السلام في المغارة التي دفن فيها إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
الأم: كان إبراهيم عليه السلام قد أمر أحد أتباعه وهو العازر، أن يسعى لتزويج إسحاق من عشيرته وقبيلة بني أبيه، الذين كانوا لايزالون في العراق، الموطن الأصلي لخليل الله إبراهيم، وأمره أن يحمل معه من الهدايا والجواهر مايليق بالعروس وأهلها.
الأب: وتهيأ ألعازر للسفر، وقد أخذ معه الهدايا والتحف الثمينة، وساق من الجمال والدواب ليهديها لأهل من ستكون عروساً لإسحاق. وتوجّه الى العراق، قاصداً منازل أسرة النبي إبراهيم. فلما وصل إلى هناك، وصار قريباً من ديارهم، حطّ الرحال في مكان يقال له فدّان آرام، وفيه أبناء ناحور أخ إبراهيم الذي كان قد توفي وترك الرئاسة لابنه بتوئيل بن ناحور.
الأم: أقام ألعازر قريباً من منازل بتوئيل، مما أتاح له رؤية فتاة كريمة جميلة، كانت تحمل جرّة ماء، فأوقفها وسألها أن تسقيه من الماء الذي تحمله، فرحّبت به وأنزلت جرّتها وسقته. ثم إن ألعازر راح يحادثها، ويسألها من تكون؟ فعرف أنها رفقة إبنة بتوئيل بن ناحور أخي إبراهيم فقال في نفسه: هذه هي العروس المناسبة لإسحاق، وسألها ألعازر ما إذا كان عند والدها مكانا للضيافة، فقالت: نعم.
الأب: وعرّف ألعازر رفقة بنفسه، وأنه رسول عمّها إبراهيم إليهم، وأنه جاء يطلب زوجة لابن عمّها إسحاق بن إبراهيم، وإنه اختارها هي لتكون تلك الزوجة، ثم إنه ألبسها من الحلي والجواهر وطلب إليها أن تذهب لتخبر أهلها بقدومه إليهم.
الأم: عادت رفقة إلى أهلها، وأخبرتهم بنبأ الضيف العزيز، فقام أخوها لابان، لملاقاته واصطحابه إلى ديارهم، حيث أتى به وأكرمه وسط مظاهر الفرح والبهجة.
وبعد أن ارتاح ألعازر قليلاً، أخبر مضيفه لابان بسبب زيارته لهم، وطلب منه أن يوافق على أن يصطحب أخته رفقة معه إلى فلسطين حيث ابن عمه إسحاق لتكون له زوجة. فأجابه لابان إلى طلبه، بعد أن وافقت رفقة على ذلك.
الأب: أعطى ألعازر الهدايا التي حملها معه من فلسطين إلى رفقة، وخلع عليها الحلى والثياب، كما أعطى أهلها هداياهم التي كان يحملها، ثم استأذنهم بالعودة، فجهّز لابان أخته رفقة بما تحتاجه استعداداً للرحيل.
الأم: وعاد ألعازر ومعه رفقة، فلما وصلوا إلى فلسطين حيث إسحاق وكان والده ووالدته قد توفيا، ففرح كثيراً برفقة، وكانت له عزاء عن فقدهما. وهكذا، تزوج إسحاق عليه السلام من ابنة عمه رفقة، ورزقه الله منها بولدين توأمين هما: العيص ويعقوب.
الأب: عاش إسحاق عليه السلام، محبّاً لولديه، متعلقاً بهما، وكان دائم الدعاء لهما. كان عليه السلام يدعو لهما بالملك والسلطة والنبوة. وذكرنا ان سيدّنا اسحق عليه السلام قبل وفاته تعرّض لعملية تمويه من قبل زوجته رفقة وابنها يعقوب، لتضليله وجعله ينقل النبوة الى ابنه يعقوب عوضا عن ابنه العيص.
الإبنة: وهل هذا ثابت في التاريخ؟
الأم: لا نجد في القرآن الكريم ما يثبت صحة هذه القصة عن النبي يعقوب، ولكن قصّته تداولها المؤرخون والعلماء نقلا عن الكتب السماوية الاخرى. وصارت واقع حال في سيرة سيدنا يعقوب وكيف اصبح اسمه اسرائيل فيما بعد.
الإبن: وكيف كان ذلك؟
الأب: يقال ان يعقوب هو أبو الأسباط الإثني عشر، وإليه ينسب شعب بني إسرائيل، وقد جاء عند أهل التوراة أن الله سمّاه إسرائيل. ففي سفر التكوين جاء في سيرة يعقوب أنّ الملك الذي صارعه حتى الفجر سمّاه "إسرائيل" وقال له: لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. كما روي في غير مكان من التوراة أنه لمّا هرب يعقوب من بيت أبيه خوفا على حياته من أخيه العيص، استراح في بقعة معيّنة يقال انها تقع في ناحية المعبد في مدينة القدس، وألقى رأسه على صخرة وأخلد للنوم.
الأم: فرأى في المنام سلّما يصل الارض بالسماء، فصعد عليه حتى وصل الى ارتفاع معين، فسمع وكأن الله يكلّمه ويعفو عنه ويسمّيه اسرائيل. والله أعلم
الأب: ذكر المؤرخون أنه ولد في مهجر الأسرة الإِبراهيمية في أرض كنعان "فلسطين"، وشبّ في كنف أبيه إسحاق، ثم سافر إلى خاله لابان بن بتوئيل بن ناحور المقيم في "فدان آرام" من أرض بابل "العراق" وأقام عنده.
الأم: وكان لابان له ابنتين هما: لَيْئة وهي الكبرى، وراحيل وهي الصغرى، فخطب يعقوب من خاله ابنته الصغرى راحيل، فوافقه خاله مقابل أن يخدمه سبع سنين، ولكن خاله أدخله على ليئة البنت الكبرى بدلاً من راحيل التي خطبها واختارها، فكلّم خاله في ذلك فقال له: اخدمني سبع سنين أخرى لأزوجك من راحيل أيضاً، فخدمه وجمع بين الأختين، ولم يكن الجمع بين الأختين في شريعتهم محرّماً.
الأب: وكان لكل من الأختين ليئة وراحيل جارية، فتزوّج يعقوب بهما أيضاً، وهما بِلْهة جارية راحيل، وزِلْفَة جارية ليئة. وبذلك صار عنده أربع نسوة، وقد ولدن له أولاده الاثني عشر.
الأم: أما لَيْئة فقد ولدت له ستة أولاد، وهم: رأوبين وهو الولد البكر ليعقوب - شمعون - لاوي ومن نسله موسى عليه السلام - يهوذا ومن اسمه أخذت كلمة يهود – يسّاكر - زبولون.
الأب: وأما راحيل فقد ولدت له ولدين، هما: يوسف عليه السلام و بَنْيامين. وأما بِلهة جارية راحيل فقد ولدت له ولدين أيضاً هما: دان و نفتالي. وزِلْفَة جارية لَيْئَة ولدت له ايضا ولدين أيضاً هما: جاد وأشير.
الأم: وهؤلاء هم أولاده الاثنا عشر، وكان كل واحد منهم أباً لسبط من أسباط بني إسرائيل. وقد قيل أن كل أولاده قد ولدوا له وهو في "فدان آرام" وهو عند خاله يرعى له الغنم مهراً لابنتيه، إلا بنيامين فقد ولد له بعد أن رجع إلى مهجر الأسرة الإِبراهيمية في أرض الكنعانيين.
الأب: وقيل أيضا انه قد ساق معه من غنم خاله نتاج سنة لدى عودته إلى مهجر الأسرة مع زوجاته وأولاده. وقد ابتلي عليه السلام بفراق ابنه يوسف ثم اجتمعا في مصر، وتوفي بعد 17 سنة لما بلغ من العمر 147 سنة. وقد أوصى يعقوب ابنه يوسف أن يدفنه مع أبيه إسحاق، ففعل يوسف ذلك، وسار به إلى الشام ودفنه عند أبيه في المغارة بحبرون "مدينة الخليل".
الأم: عرض القرآن الكريم إلى جوانب يسيرة من حياة يعقوب عليه السلام في عدد من السور، خصوصا في إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى له وأنزل إليه طائفة من الشرائع، وجعله من الصالحين ومن المصطَفين الأخيار. كما بيّن القرآن الكريم وصيَّة يعقوب لبنيه بقوله: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ان يتمسكّوا بدينهم وايمانهم ويموتون على عقيدة الاسلام لدين الله.
الأب: ذكرنا في قصة سيدنا اسحق انه لمّا جاء العيص شقيق يعقوب وعرف بأمر الحيلة التي احتالها يعقوب مع والدته على ابيه اسحق، غضب غضبا شديدا، فنصحته اـمّه رفقة أن يفر الى ارض اخيها لابان في ارض حرّان. ولكن قبل أن نذكر ماذا حصل له عند خاله، لنرى ماذا افادتنا كتب التاريخ والكتب السماوية الاخرى عن مولد يعقوب.
الأم: يقال ان يعقوب كان في رحم امه جنينا مع اخيه التوأم عيص. وعندما أحسّت الام بالطلق وحانت ساعة الولادة، اراد يعقوب ان يخرج قبل اخيه العيص فلم يستطع ذلك فتعلّق بكعب العيص يريد ان يمنعه من الخروج، ولكن العيص كان قد نفذ من الرحم وخلفه يعقوب ممسكا بقدّمه.. ويقال انه لهذا السبب سميّ بيعقوب بمعنى العقب او الذي جاء عقبا أي من بعد العيص.
الإبن: وكيف عرفوا ذلك؟
الأم: طبعا هذه مقولات ويجوز ان فيها شيئ من الصحة اذا شهد الراوي عملية الولادة ولاحظ كيف ان التوأم الثاني خرج ممسكا بقدم اخيه.
الأب: عندما هرب يعقوب من أخيه العيص، متوجّها الى بيت خاله تعب وقرر ان ينام قليلا ولكنه لم يجد شيئا يسند عليه رأسه غير صخرة صغيرة وضع رأسه عليها وتمدد بجسده على الارض وراح في نوم عميق. ويقال كما ذكرنا من قبل انه عندما وضع يعقوب رأسه فوق الحجر ونام، رأى في المنام سلّما منصوبا بين السماء والارض، والملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب يناديه ويقول انه سيبارك فيه وفي ذريته والله أعلم.
الأم: فلما هبّ من النوم فرح بالرؤية التي رآها ونذر لله انه ان رجع الى أهله سالما فسوف يبني في هذا المكان معبدا، وسيخصّص عشر ما يرزقه الله به الى الله. ودهن الحجر الذي وضع رأسه عليه ليكون علامة له اذا رجع فيعرف ان هذا هو المكان. وسمّى ذلك الموضع بيت ايل أي بيت الله وهو ما نعرفه اليوم ببيت المقدس والله أعلم.
الأب: عندما هرب يعقوب من أخيه ولجأ الى خاله لابان عاملا بنصيحة امه رفقة. تعرّف على ابنتي خاله ليئا وهى الكبرى، وراحيل وهى الصغرى. وشُغف يعقوب براحيل فقد كانت تفوق أختها ليئا فى الحسن وتقدم يخطبها من خاله فسأله اذا كان يملك مالا فنفى وابدى استعدادا للعمل واقترح ان يعمل لدى خاله لقاء صداق ابنته. فرضي لابان وطلب منه ان يشتغل عنده 7 سنين فقبل يعقوب، وراح يرعى الماشية لخاله لمدة سبعة أعوام ، فلما وفّى لابان وعده ليعقوب وزفّه على ابنته لكنه ادخله بخديعة محكمة على ابنته ليئا بدلا من راحيل بعد ان دسّ له مسكراً في الطعام. وعندما ااستيقظ يعقوب وجد أن المرأة التي معه في السرير والتي دخل عليها ليست راحيل بل أختها ليئا.
الأم: راح يعقوب يعاتب خاله غاضبا ويتهمه بالغدر والخيانة، ولكن لابان هدّا من روعه واقنعه انه ليس من عادات قومه تزويج الابنة الصغرى قبل الكبرى. وقال له انه لا يمانع ان يزوجه ايضا راحيل انما يريد منه ان يستمر بالعمل عنده لسبع سنوات اخرى.
الأب: فوافق سيدنا يعقوب وانقضت سبع سنين، كان قد ولد ليعقوب خلالها بضعة أولاد من زوجته "ليئا". وجاء اليوم الذى ينتظره يعقوب ليتزوج بالفتاة التي شغفته حبا والتي صارت فيما بعد زوجة نبي ورسول وام نبي ورسول سيدنا يوسف عليه السلام.
الابنة: لكن ما السبب انه تزوج ايضا من الجواري؟
الأم: كان لابان قد اهدى كل واحدة من ابنتيه جاريه، جارية ليئا كان اسمها زلفى، وجارية "راحيل" إسمها بلهى. وعندما لم تنجب راحيل فى بداية زواجها من يعقوب، وكانت اختها ليئا قد أنجبت أربعة أولاد، أشعلت الغيرة قلبها وقررت أن تهب لزوجها يعقوب جاريتها بلهى كي تنجب منه كما فعلت سارة زوجة ابراهيم سابقا. ويبدو ان ليئا وهبت له ايضا جاريتها زلفى منافسة لاختها راحيل. وولدت كل واحدة من الجاريتين ليعقوب.
الإبنة: أخوات وضرائر! سبحان الله تغيران من بعضهما البعض!
الأم: لما رأت راحيل ان أختها ليئا والجاريتان زلفى وبلهى قد ولدن لزوجها يعقوب ولم تلد هى، توجهت الى الله ، ودعته أن يهب لها غلاما زكيا من يعقوب. واستجاب الله عز وجل دعاء راحيل وأكرمها بالخصوبة، فحملت وولد ليعقوب سيدنا يوسف عليه السلام وكان أشبه الناس بجدته لأبيه سارة زوج إبراهيم عليه السلام، وكان آية في الحسن والجمال اسماه يوسف وأحبه حبا جما، حتى بدأت نار الغيرة تدب في قلوب إخوته، وبدا الحسد يظهر في اقوالهم وأفعالهم.
الأب: عندما ولد يوسف طلب يعقوب من خاله اذنا بالرحيل، فأذن له خاله وقال اسألني ما تشاء اعطيك، فكل الخير الذي انا فيه بسبب كدّك واجتهادك في العمل. ويقال أن يعقوب طلب ان يعطيه خاله كل حمل ابقع يولد من الغنم في تلك السنة وكل أملح ببياض وكل أجلخ ابيض من المعز. فوافق لابان وعمد هو وأولاده الى حيلة، فباعدوا ذكور غنمهم عن الاناث التي اذا اجتمعوا بهن يمكن ان يلدن بالصفات التي طلبها يعقوب.
الإبن: ماذا يعني أبقع وأملح وأجلخ؟
الأب: أما الأبقع فهو الذي على جسده بقعا. وأما الأملح فهو الاسود الذي يكون عليه ميلا أو خطا أبيضا يشبه الملح في بياضه وأمّا الاجلخ فهو الغنم الابيض أو الخرفان.
الأم: ولكن يعقوب فطن الى حيلة خاله واولاده، فعمل الى حيلة مضادة، فجاء بقضبان رطبة، قشّرها ونصبها في مساقي الغنم، لينظروا اليها فتجزع منها الاناث وتتحرك الاحمال في بطونهن فتأتي الاحمال على طلب يعقوب، والله أعلم. فاندهش لابان من هذه النتائج ومن مكر يعقوب.
الأب: وجاء امر الله الى يعقوب ان يترك لابان ويرحل هو وأهله. وقبل الرحيل سرقت راحيل اصنام ابيها الذهبية. فلما افتقد لابان اصنامه الثمينة لحق بيعقوب، وأنّبه على السرقة، فأنكر يعقوب أن يكون هو أو أحد من أهله قد سرقه، وكان لا يدري أن راحيل قد سرقت. وطلب من لابان تفتيش الجميع كي يتأكد بنفسه. فتّش لابان الجميع حتى وصل الى ابنته راحيل التي ادعت انها مريضة عليها حيض النساء ولا تستطيع النهوض، وكانت تجلس وتحت ثيابها الاصنام التي سرقتها. فاستحى لابان ان يفتش ابنته.
الابن: ما هذا؟ الكل يخدع الكل في هذه القصة؟
الأم: صحيح ... ولكن تذكّر دائما ان هذه مشيئة الله والجميع مسيّرين في اعمالهم وليسوا مخيّرين لحكمة لا يعلمها الا الله وحده. أكمل يعقوب طريقه وكان قد كثر مالا ورزقا وعيالا، وأرسل الى اخيه العيص مستسمحا معتذرا، وبعث له بهدايا وكنوز ثمينة، وطلب منه ان يصالحه ويعفو عنه. فركب العيص على رأس 400 رجلا يبغي يعقوب.
الأب: وعلم يعقوب بالامر فدعا الله ان يكفّ شر أخيه عنه. وظل قلقا خائفا لا يدري ماذا يفعل. فجأة ظهر له ملاكا على هيئة رجل فوجل منه وضربه، فصارعه الملاك واصابه اصابة شديدة في وركه تسببت له بالعرج. وقال له ما اسمك يا رجل قال اسمي يعقوب، قال لقد اراد الله ان يسميك غير هذا الاسم، فسماك اسرائيل وهذا هو اسمك من اليوم. والله اعلم!
الأم: ولما رفع يعقوب رأسه وجد اخاه العيص يقف فوقه، فسجد له سبع سجدات. فلما وقعت عينا العيص على أخيه وكان قد مضى زمن طويل لم يره، حنّ اليه وعطف عليه، وانزل الله رحمته في قلبه، فعانقه وقبّله. ثم سأله عن سبب كثرة المال والعيال فقال هذا ما وهب لي الله، والحّ عليه ان يقبل هداياه وعطاياه، فقبلها العيص.
الأب: ومضى يعقوب الذي اصبح اسمه اسرائيل حتى وصل الى المنطقة التي كان قد رأى فيها منام السلّم الى السماء، فاشترى هنالك مزرعة كبيرة، عند الحجر الذي كان قد وضع رأسه عليه، وأمر ببناء بيت الله بأمر الله وهو بيت المقدس اليوم الذي جدّده بعد ذلك سيدنا سليمان، وخرج منه سيدنا المسيح، واسرى اليه وعرج منه سيدنا محمد صلوات الله عليهم جميعا.
الأم: أوحى الله عز وجل الى يعقوب أن يرجع الى بلاد أبيه وقومه فى بلاد المقدس ويترك أرض حرّان فى العراق. فحمل يعقوب أهله وماله وإنطلق نحو بلاد أبيه. أقام يعقوب فى قرية حبرون بأرض كنعان، حيث كان يسكن ابراهيم عليه السلام وهى مدينة الخليل – وهناك فى أرض حبرون حملت راحيل فولدت غلاما هو بنيامين وهو شقيق يوسف عليه السلام. وكان يوسف واخوه احب الى يعقوب من سائر إخوته.
الأم: خص يعقوب ابنه يوسف بمعاملة مختلفة اذ كان يشعر بخطر يوشك أن ينقض عليه، وكان لاحظ فى إخوته الاحد عشر كراهية ليوسف. ومرت الأحداث بيوسف وجاء تحقيق رؤياه وسجود أمه وأبيه وإخوته حينما أصبح عزيز مصر، وذلك بعد سنوات تزيد على الثلاثين عاما. وخلال تلك الفترة الطويلة، كان يعقوب يقاسى الفراق والحزن على ولده يوسف، ثم فقد إبنه الآخر بنيامين شقيق يوسف فبكى بكاء متواصلا حتى ابيضت عيناه، وصار أعمى لا يرى، انما ظل قلبه موصولا بالله، وصبر صبرا جميلا، ولم يمل من رجاء الله أن يجمعه بابنيه، ولم ييأس من رحمة ربه، ولم يكن عنده أدنى شك بان الله سيجيب دعاءه ويريه ولديه قبل أن يموت.
الإبنة: سبحان الله على هذا الايمان.
الأم: هذا جواب السؤال عن الآية الكريمة (إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)
الأب: أمّا أكبر دليل على مقدار تقوى سيدنا يعقوب هو ربما أنه لما حضر اليه الموت جمع بنيه ليتأكد منهم انهم على دينه ودين آباءه، ويأخذ منهم عهدا بذلك. قال تعالى في سورة (البقرة):َ (أمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
الأم: سيدنا يعقوب هو نبيٌّ من ذرّية إبراهيم من ولده إسحاق، وقد تحدّث عنه القرآن الكريم في الإشارة إلى اسمه في ستّ عشرة آيةً، وصرّح بأنّ الله أنزل عليه الوحي، من دون تفصيلٍ لذلك، وأراد للمسلمين أن يؤمنوا به كما يؤمنون بما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وذلك قوله تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
الأب: اثناء عودته إلى فلسطين مرض يعقوب برجله بالمرض المعروف عرق النسا. ولهذا طلب منه الاطباء عدم تناول لحوم الابل لانها تضرّه وتساعد على زيادة آلامه وأوجاعه. فلما رآه قومه لا يأكل لحم الابل حرّموها على انفسهم. فقال تعالى : (كلّ الطعام كان حلاّ لبني اسرائيل الا ما حرّم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة. قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين).
الأم: ولكي ينزع يعقوب الغضب من قلب أخيه العيص قال لرعاته قبل وصول فلسطين: إذا سألكم احد عن هذه الماشية فقولوا له انها ليعقوب عبد العيص. فلمّا لقيهم العيص وسألهم من أنتم ولمن هذه القافلة قالوا له انها ليعقوب عبد العيص .. فسكن غضب العيص عن يعقوب واستقبله احسن استقبال بعد ان كان ينوي قتله وجهز له اربعمائة رجل لهذا الغرض. وسجد العيص سبع مرات ليعقوب كما كانت عادتهم في ذلك الوقت باظهار التحية له وشكره على عطاياه. والله أعلم
الأب: تشير بعض المصادر والله اعلم ان الملك شخيم بن جمور اغتصب دينا بنت يعقوب من زوجته ليئا بعد ان ادخلوها عنوة إلى بيته وطلب بعد ذلك ان يتزوجها. فقال له اخوتها : يجب عليكم ان تختتنوا جميعا فإننا لا نصاهر قوما غلفا لا يختتنون. فاختتنوا كلهم فلما اشتد بهم الم الختان هجم عليهم بنو يعقوب وقتلوهم عن آخرهم بمن فيهم الملك شخيم وأباه جمور وأخذوا أموالهم غنيمة . واستجاب اناس كثيرون لدعوة يعقوب .
الأم: مكث يعقوب في مصر سبعة عشر عاما ولما حضرته الوفاة اوصى اولاده بالثبات على الاسلام. وحنّطه يوسف وعاد به إلى فلسطين ليدفنه في حبرون بفلسطين مع جده ابراهيم وابيه اسحاق عليهما السلام . وقد كان مؤمنا بحكمة الله وحسن تدبيره للامور صابرا على المكاره والمحن والمصائب واقام ثاني بيت على وجه الارض لعبادة الله وهو بيت المقدس وقد اقامه اثناء ذهابه إلى ارض فدان ارام .
الأب: وهكذا نأتي على نهاية قصة اسحق ويعقوب عليهما السلام، نرجو من الله السميع العليم ان يشرح صدرنا بالعلم ويهدينا الى الطرق القويم. والى غد انشاء الله مع قصة نبي من انبياء الله المرسلين.
سامي الشرقاوي
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق