الأحد، 25 ديسمبر 2016

11 قصة شعيب عليه السلام


رمضانيات
حلقات يكتبها سامي الشرقاوي
الحلقة الحادية عشرة
شعيب عليه السلام

اجتماع عائلي حول مائدة رمضان
الجميع بانتظار آذان المغرب يرفع لوقت الصلاة والافطار
يتسامر الصائمون حول الطاولة فيبدأ كبير العائلة كلامه

قصة النبي شعيب عليه السلام

الأب: بعد ان انتهينا بالأمس من قصة سيدنا يوسف الصدّيق عليه السلام، سنحاول اليوم التطرّق الى قصة النبي شعيب عليه السلام، ونكشف شيئا من جوانب حياته في مدينة مديْن، ونتعرّف على تلك المدينة كيف كانت وماذا حلّ بها وما هو موقعها اليوم.

الأم:  قال الله تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) ففي هذه الآية يُعلمنا الله تعالى أن شعيبا من قرية مدين، وأن أهلها في سعة وعيش كريم انما يغشّون في الكيل والميزان، وهو يخاف عليهم ان يحيطهم عذاب من الله ان لم ينتهوا عن ذلك.

الأب:  وفي آبة أخرى قال تعالى (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) يفيدنا جلّ جلاله ان شعيبا رسول وأن أصحاب الايكة كذّبوا المرسلين من قبل فجاء شعيب لينصحهم وطلب منهم ان يطيعوه وان ما يفعله لا يريد اجرا عليه لان اجره يأخذه ثوابا من رب العالمين.

الإبنة: هل يعني هذا أن أصحاب الايكة هم أيضا أهل مديْن؟
الأم:  كان أهل مديْن قوماً عرباً يسكنون مدينتهم مدين وهي قريبة من مدينة مَعَان في الاردن، ولا تبعد عن قرية لوط كثيرا. ومدين مدينة عرفت بالقبيلة وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل.

الأب:  وكان أهل مدين كفاراً يعبدون "الأيْكة" وهي شجرة كبيرة مكتظة الالياف تلتف اليافها حولها. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص. 

الأم: وسيدنا شعيب هو ابن ميكيل بن يشجن. ويقال: شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب. ويقال أن أمه هي ابنة لوط عليه السلام والله أعلم. وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه، ودخل معه دمشق. وكان يكنّى بخطيب الانبياء لفصاحته وبلاغته وطلاقة عباراته. وقد بعثه الله رسولا في اهل مدين يدعوهم الى عبادة الله والكف عن ما يفترفونه

الأب:  فبعث الله في أهل مدين رجلاً منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن هذه الاعمال القبيحة، من بخس الناس في الكيل واخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم، حتى أحلَّ الله بهم البأس الشديد.

الأب: كما قال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قد يكون ان في هذه الآية ما يفيد ان شعيبا قد اظهر دليلا من الله لم يوضح الله ماهيته ولكنه بالتأكيد ليحفزهم على ترك الموبقات والكفر.

الأم: لأنه قال فيما بعد (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا - ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ). فأمرهم بالوفاء في الكيل والميزان وأن لا يأكلوا حقوق الناس ولا يعيثوا فسادا في الارض وان لا يقطعوا الطريق ويهددوا المارة والقوافل وينهبوهم وأن يتفكروا كيف كانوا قلة في العدد والمال فصاروا اكثر عددا واكثر مالا وأن يعتبروا مما جرى بالكفار الذين كانوا قبلهم وماذا حل بهم. 
الأب: (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً) هنا يتهمهم الله عز وجل بمنع المؤمنين عن اتباع شعيب وباصرارهم على الاجرام (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ويذكرهم على لسان شعيب بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة، ويحذرهم نقمة الله بهم إن خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه، كما قال لهم سابقا (وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) أي لا تركبوا ما أنتم عليه وتستمروا فيه فيمحق الله بركة ما في أيديكم ويحيط بكم الفقر.

الأم: اذن لقد نهاهم أولاً عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف، وحذّرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم، وعذابه الأليم في أخراهم. ثم قال لهم ناصحاً: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ).

الابنة:  التطفيف يعني الغش في الميزان أليس كذلك؟

الأم: أجل كما جاء في سورة المطففين، بسم الله الرحمن الرحيم (ويل للمطففين، الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون، واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون).

الابن: لا بد ان التطفيف والاخلال في الميزان عمل شنيع جدا حتى خصص له الله في القرآن سورة كاملة؟

الأب: صحيح لأن التطفيف يمكن أي يكون في كل امور الدنيا وليس فقط في الكيل والميزان. ويشاع في عصرنا اليوم كلمة الكيل بمكيالين، هذا هو التفسير الدقيق للتطفيف.
لذلك فإن الله أمرنا بأن نقبل ما يرزقنا به، وقال (بقيّة الله خير لكم) أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس. وأنّ ما فضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف. والمقصود أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قل والحرام لا يجدي وإن كثر، ولهذا قال نبي الله شعيب (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين). وقوله (وما أنا عليكم بحفيظ) ونبّههم انه لا يستطيع ان يحافظ عليهم من غضب الله ونقمته.

الأم: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). ربما وجب ان نتأمل قليلا في هذه الآية ويقيني انها المدخل الذي يريد الله ان يدخل شعيب منه للاصلاح المالي وهو التعبير الذي نستعمله هذه الايام, فالفساد المالي يلزمه دائما اصلاح مالي. وكلمة التطفيف يجوز انها تشمل كل الفساد المالي وليس فقط الفساد في الكيل والميزان. والله أعلم.

الابنة: وربما الآية تعني ان الفساد المالي هذا هو فساد متراكم منذ آباء واجداد اهل مدين وقد صار سنة واحتكار اصحاب السلطة تماما كما يجري في ايامنا الآن.

الأب: صحيح يا صديقتي ... ولكن الادهى وشر الشرور عندما يصبح عامة الناس اتباعا للمتسلطين واتباعا للفوضى والفساد. لذلك قال الله على لسان شعيب (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). وهذا تماما ما اشرتي اليه يا ابنتي لان شعيبا يؤكد هنا انه يبغي الاصلاح بشكل عام.

الأم: أما قوله (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) أي لست آمركم بالأمر بل أنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه. وأنا لا أريد إلا الإصلاح. (وما توفيقي) أي في جميع أحوالي (إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) ولا اتوكل الا على الله في كل الامور.

الأب: ثم انتقل إلى نوع من الترهيب فقال: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ). هنا ينصح بعدم مخالفته كي لا يجري عليهم ما جرى لقوم نوح وهود وصالح من قبل وذكرهم بان ما جرى لقوم لوط لم يمض عليه زمن بعيد. 

الأم: ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) أي اقلعوا عما أنتم فيه وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود، فإنه من تاب إليه تاب عليه، وإنه رحيم بعباده وهو ودود يتقرب من عبده ويساعده إن تقرّّب العبد منه.

الأب: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً - وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ). يقال انه كان ضرير البصر وريما قالوا هذا القول لأنه لم يكن له اولادا بل بناتا فقط والله أعلم. لذلك قالوا انهم لا يفهمون ما يقوله وحجتهم انه ليس وجيها بينهم كي يطاع بل انه رجل ضعيف والضعيف لا يطاع. وهددوه تهديدا غير مباشر انهم لولا لم يكن بين اهله وعشيرته لرجموه لانه بنظرهم لا قيمة له.

 الأم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ واتخذتموه وراءكم ظهرياً) لكنه اتى برد هو قمة التحدي فقال اتخافون قبيلتي وعشيرتي وترعوني بسببهم ولا تخافون عذاب الله. ثمم تابع (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)  فقال افعلوا ما تريدون وسأفعل ما اريد وستدركون من الذي سيأتيه العذاب ومن سيكون منا الضعيف الذليل ومن منا سيكون الكاذب ودعونا ننتظر جميعا ما سيحصل.

الاب: يا الله هذا فعلا قمة التحدي من رجل يقف لوحده بوجه قبيلة.

الأم: اجل لكنهم ردوا بنفس التحدي وهددوه ان لم ينته ويترك ملته ويرجع في ملتهم فسوف يخرجونه ومن معه من مدين (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) .

الأب: (قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ). رفض سيدنا شعيب العودة الى ملتهم بعد ان نجاه الله منها. ثم دعا الله ان يحكم بينهم وينصره عليهم.

الأبن: والله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على الذين جحدوهم وكفروا بهم وخالفوهم. 

الأب: صحيح ... بل يزيد الكفار في ضلالهم لذلك قرر اهل مدين ان يوجهوا انذارا الى كل من يؤمن بما يقوله شعيب بأنهم سيخسرون. وهذا تهديد مباشر بقطع سبل العيش عنهم. (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ).

الأم: (فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة، أي رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالاً شديداً أزهقت أرواحهم من أجسادها، وأصبحوا جثثا هامدة، لا أرواح فيها، ولا حركات بها ولا حواس لها.

الأب: جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات فسلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وغيمة عظيمة اظلتهم وانطلقت شرر النار من سائر أرجائها. ففي سورة هود ذكر أنهم أخذتهم الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وفي سورة الشعراء ذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة وقصف نار من السماء. أما قالوا (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ، وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ، قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)؟ وفي موضع آخرر بسورة الشعراء قال تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).. قيل أنهم أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب.

الابن: الله أكبر... وماذا حصل بعد ذلك كله؟

الأب: حاولوا الهروب من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيه راحت ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت ارواحهم. (فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ)

الأم: ونجّى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين. كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ).

الأب: ثم ذكر الله تعالى أن شعيبا كان قد يأس منهم ونعاهم إلى أنفسهم (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي قد أديت ما كان واجباً علي من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه فلم ينفعكم ذلك، فلست أتأسف بعد هذا عليكم لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ولا تخافون يوم الفضيحة.

الأم: ولهذا قال: (فَكَيْفَ آسَى) أي كيف أحزن (عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ). وقد ذُكر أن شعيباً عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام، وأنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة. والله اعلم

الأب: كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهة الشام، وهي أرض واقعة حول خليج العقبة من طرف نهايته الشمالية شمالي الحجاز وجنوب فلسطين.

الابن: هذا يعني ان سيدنا شعيب عربي!

الابنة: أجل وقد أكد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال والدنا في اول الحديث.

الأم: ويظهر أن مدين في الأرض المسماة الآن معان في الاردن، أو على قرب منها. وكانت قبيلة تنسب إلى مدين بن إبراهيم عليه السلام من زوجته قطورة التي تزوجها بعد موت سارة، ويسميه أهل الكتاب مديان كما سبق عند الكلام على سيدنا إبراهيم. والظاهر أن هؤلاء القوم كانوا قوماً عرباً جاء إليهم مدين بن إبراهيم وصاهرهم وعاش بينهم، وصار له فيهم رهط وأسرة، ولذلك سماهم الله أهل مدين نسبة إليه. والله أعلم.

الأب: لم يَطُل بأهل مدين العهد حتى هجروا دينهم الذي كانوا ورثوه عن إبراهيم عليه السلام، ودخلت فيهم الوثنية فكفروا بالله وعبدوا الاصنام، وانحرفوا عن الصراط السوي، فكان من سيئاتهم: التطفيف في الكيل والوزن، وبخس الناس أشياءهم في تجاراتهم، والفساد في الأرض.

الأم: فأرسل الله شعيباً رسولاً منهم يتصل نسبه من جهة آبائه بإبراهيم عليه السلام، فدعاهم إلى الله بمثل دعوة الرسل، وأمرهم بالعدل، ونهاهم عن الظلم، وجاءهم ببينة من ربه، وذكرهم بنعمة الله عليهم، إذ كثّرهم من قلة، وأغناهم من فقر، فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون. وكان خطيباً حسن البيان قويّ الحجّة، ويذكر المفسرون أنه خطيب الأنبياء.

الأب: ليس عند المؤرخين تحديد للزمن الذي عاش فيه شعيب عليه السلام، ومن المحقَّق أن دعوته لقومه كانت بعد لوط بزمن غير بعيد، لقوله لقومه -كما قص القرآن المجيد في سورة(هود)-: (وما قوم لوط منكم ببعيد)، وأنها كانت قبل موسى لقوله تعالى - عقب الحديث عن عدد من الرسل ومنهم شعيب- (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ويغلب على الظن أن أحداث إهلاك قومه كانت بعد انتقال بنو إسرائيل إلى مصر وفي المدّة الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليهما السلام. والله أعلم.

الأم: وقد قيل والله أعلم أنه بكى من حب الله حتى عمي، فرد الله عليه بصره، وقال: يا شعيب أتبكي خوفاً من النار؟ أو من شوقك إلي الجنة؟ فقال: بل من محبتك، فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي، فأوحى الله إليه: هنيئاً لك يا شعيب لقائي، فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي.

الابنة: ماذا يعني ان الله أخدمه سيدنا موسى؟

الأب: يقال انه لما خرجَ سيدنا موسى عليه السلام من أرضِ مِصرَ يريدُ النجاة من كيد فرعونَ وجنودِه، توجّه عليه السلام إلى ناحية مَدْيَنَ ماشيًا على قدمَيه. فوصلها وكان قد أتعبَه الجوعُ فجلسَ تحتَ ظلِ شجرة فأبصرَ امرأتينِ وكانتَا أُختينِ ترعيانِ الأغنامَ وتريدان سقيَ أغنامهما من بئرٍ كبيرةٍ وكان الرُّعاة يَسقُونَ مواشيَهم من هذه البئرِ والأُختانِ تحبِسَان غنمَهما عن الشرب فأشفق عليهما وسألهما لماذا لا يسقيان الاغنام؟

الأم: فأخبرَتَاهُ بأنَّ أباهما شيخٌ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له هذه الأغنام، ثم البئر بعد أن يسقي الرعاة أغنامهم يضعون عليها صخرةً كبيرة هذه الصخرة لا يطيق رفعَها إلا عشَرةُ رجالٍ فوضعَ عليه السلام قوةَ جسمِه التي منَّ الله عليه بها في طاعة ربه، فرفعَها موسى عليه السلام وحدَه ثم استقَى منها الماءَ وسقَى لهاتين المرأتينِ غنمَهما

الأب: وردّ الحجرَ مكانَه ثم انصرفَ عليه السلام إلى ظلِّ شجرة وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكرُه، يدعو الله الذي مَنّ عليه بهذه القوة ويشكرُه على هذه النعمةِ العظيمة.( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ - وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ - فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

الأم: وعادت الفتاتان إلى أبيهما، فتعجب من عودتهما سريعًا. وكان من عادتهما أن تمكثا وقتًا طويلا حتى تسقيا الأغنام، فسألهما عن السبب فى ذلك، فأخبرتاه بقصة الرجل القوى الذى سقى لهما، وأدى لهما معروفًا دون أن يعرفهما، أو يطلب أجرًا مقابل خدمته، وإنما فعل ذلك مروءة منه وفضلا.

الأب: وهنا طلب الأب من إحدى ابنتيه أن تذهب لتدعوه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين تمشى على استحياء، لتبلغه دعوة أبيها: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا). فاستجاب موسى للدعوة، ولما وصل إلى الشيخ وقصّ عليه قصته، طمأنه الشيخ بقوله: (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

الابن: الى الآن لم يكن موسى قد اصبح نبيا بعد وشعيب كان نبيا اليس كذلك؟

الأم: صحيح، لذلك والله أعلم كان النبي شعيب على علم من الله بأن فرعون وقومه هم قوم ظالمون.

الابنة: ويجوز انه كان على علم من الله ايضا بما سيصبح عليه موسى فأرسل ابنته لتدعوه.

الأم: هذا تحليل وارد ايضا والله اعلم.

الأب: عندئذ سارعت إحدى الفتاتين بما لها من فراسة وفطرة سليمة، فأشارت على أبيها بما تراه صالحًا لهم ولموسى -عليه السلام-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِين). فهى وأختها تعانيان من رعى الغنم، وليس لهما اخ يحمل عنهما هذا الحمل الذي هو وظيفة الرجال وليس النساء؟ كما ان حيائهما يمنعهما من الاحتكاك بالرجال .

الأم: وقد وجدت تلك الفتاة في موسى النخوة والقوة والأمانة ما يؤهله للقيام بهذه المهمة. ويقتنع الشيخ الكبير لما ساقته ابنته من مبررات بأن موسى جدير بالعمل عنده. ولما رآه وقابله وتحدث اليه وعرفه لم يعرض عليه العمل فقط بل عرض عليه ايضا المصاهرة وتزويجه من احدى بناته.

الأب: فقال له: (إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَى هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِى حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَى وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ). بمعنى عرض عليه الزواج من احدى ابنتيه شرط ان يبقى أجيرا عنده لمدة ثماني سنوات، واذا أكمل موسى عشر سنوات فيكون ذلك فضلا من عنده.

الابن: ما معنى ثماني حجج؟

الأب: أي ثماني سنين موسمية في الزرع والحصاد.

الابنة: وهل نعرف شيئا عن زوجة سيدنا موسى غير انها ابنة سيدنا شعيب؟

الأم: هناك قصة لطيفة تروى انه لمّا عرض سيدنا شعيب على سيدنا موسى ان يزوجه احدى بناته اختار التي مال اليها قلبه وأحس انها تستطيع ان تسعده. واثناء فترة التعارف والخطوبة اخبرها بأنه لمّا كان في مصر كانت ابنة الفرعون تميل اليه وكانت تغريه بأن تعطيه معظم مالها كي يتزوجها ويصبح هو فرعون مصر بعد ابيها ولكنه رفض. ثم سألها موسى وأنت ماذا تستطعين ان تعطيني. فقالت له انا لست ابنة فرعون ولا املك مالا ولا جاها ولا سلطة، ولكنني اعطيك كل ما أملك. فقال وماذا تملكين، قالت أملك قلبي وحبي وطاعتي وروحي وعيوني اعطيك اياهم كلهم دون تحفظ ودون تردد.

الابنة: الله يا أمي ما أجمل هذه القصة الرومانسية.

الأم: ولـمَّا وَفَّى موسى الأجل وعمل فى خدمة صِهْرِه عشر سنين، أراد أن يرحل إلى مصر، فوافق الشيخ ودعا له بالخير، فخرج ومعه امرأته وما أعطاه الشيخ من الأغنام، فسار موسى من مدين إلى مصر. وهكذا كانت زوجة موسى - رضى اللَّه عنها - نموذجًا للمؤمنة، ذات الفراسة والحياء، وكانت قدوة فى الاهتمام باختيار الزوج الأمين العفيف.

الأب: لنستعرض اذن مقاربة علمية عن انواع العذاب التي انزل الله على اهل مدين. لان المنتقم الجبار لم يأخذهم بعذاب واحد كما حصل مع قوم هود وعاد. بل خصهم بثلاثة انواع مختلفة من العذاب. زلزل الارض بهم ثم اطلق الصيحة العظيمة ثم اظلتهم غمامة اطلقت عليهم النيران من كل الاتجاهات.

الابن: يبدو يا ابي انك تريد ان تقول ان الله استعمل اسلحة معينة لتدميرهم؟

الابنة: صحيح فلنفكر في الامر قليلا ! فزلزلة الارض ربما ناتج عن انفجار طبيعي او نووي اصابهم بالرجفة

الابن: وربما كان لهذا الانفجار صوتا مدويا فعل فيهم ما فعله بقوم هود فأفقدهم الوعي.

الابنة: وربما ان شدة الحرارة التي الهبتهم بعد ذلك ليست ناتجة عن حرارة الشمس بل عن حرارة ذلك الانفجار المخيف

الابن: وربما تكون تلك الغيمة ما هي الا طائرة حربية امطرتهم بنيران رشاشة من كل جوانبها فألادتهم جميعا

الأب: ما شاء الله على هذا الخيال الخصب. انما لا احد غير الله يعلم حقيقة الامر. نحن نريد فقط ان نستنبط ان العلماء الذين يقرأون هذه القصص في القرآن والكتب المقدسة وايضا في الاساطير والحكايات المتواترة، يقرأونها ليس كما نقرئها نحن. بل يقرئونها ليستدلو منها ما يريد الله ان نستدل له ونعمل على انتاجه، ولأن الله جعل في كل قوم هادي، فإن هؤلاء الهداة اهتدوا الى اختراعاتهم العلمية وهدونا بها بعد ما فهموا كلام الله واناروا به عقولهم. الا اننا نحن كبشر لنا اخطائنا فحولنا بعض هذه الاختراعات الى وسائل نتقاتل بها من اجل مصالح ومكاسب دنيوية.

الأم: على كل حال بذلك نكون قد أنتهينا من قصة سيدنا شعيب عليه السلام. ولنا غدا ان شاء الله العزيز القدير مع نبي آخر من أنبياء الله.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: